تنفيذ خطة «خريطة طريق» الرباعية العربية

أعربت مصادر فلسطينية مسؤولة عن خشيتها من أن تؤدي تنفيذ التفاهمات المزدوجة بين مصر والقيادي المفصول من حركة فتح، محمد دحلان، من جهة، وحركة حماس، من جهة ثانية، إلى تحويل الانقسام الحالي بين الضفة الغربية وقطاع غزة إلى انفصال نهائي بينهما.
وقالت المصادر لـ القبس: إن هذه التفاهمات هي نسخة منقحة ومزيدة عن خطة «خريطة الطريق» التي طرحتها «الرباعية العربية» العام الماضي ورفضها الرئيس محمود عباس، حيث كانت تنص على إجراء مصالحة فتحاوية بين عباس ودحلان، ومصالحة ثانية مع «حماس»، والتوجه لتفعيل عملية السلام مع إسرائيل.
وأشارت المصادر إلى أن عباس أظهر بعض المرونة حيال المصالحة مع «حماس» لكنه رفض رفضاً قاطعاً أي مصالحة مع دحلان، وكرس فصله من «فتح» من خلال عقد المؤتمر السابع للحركة من دونه واستبعاد أي من المحسوبين عليه واتخاذ إجراءات تنظيمية مختلفة بحقهم، الأمر الذي أدى إلى توتر العلاقات بين رام الله والقاهرة.
ورأت هذه المصادر أن التفاهمات بين مصر ودحلان، من جهة، و«حماس» من جهة أخرى، ستكون أمام أحد خيارين، فإما أن تكرس الانقسام وتذهب به نحو الانفصال الكامل، أو تفتح طريقاً جديداً لإجراء مصالحة وطنية شاملة، مشيرة إلى أن الشروط الإقليمية والدولية المحيطة بهذه التفاهمات ترجّح أن تنحو هذه التفاهمات نحو الخيار الأول، الذي ستقابله إسرائيل والإدارة الأميركية وأطراف عدة أخرى بالتشجيع. ولفتت المصادر إلى أن التفاهمات، بغض النظر عن حسن النوايا لجهة تخفيف الحصار عن قطاع غزة، إلا أنها من جانب آخر تمثل نوعاً من إعفاء اسرائيل كقوة احتلال من مسؤوليتها إزاءه.
امتحان الواقع
وحول إمكانية نجاح هذه التفاهمات والصمود أمام امتحان الواقع، والاختلاف في منطلقاتها السياسية قالت المصادر، إن لكل من أطراف هذه التفاهمات مصلحته الخاصة وقد تقاطعت جميعها في لحظة نادرة جعلت منها أمراً ممكناً رغم الخصومات التاريخية المخضبة بالدم بينها.
وكشفت المصادر أن مصر ومن خلال المحادثات التي أجراها وفد «حماس» برئاسة مسؤول قطاع غزة يحيى السنوار، لمست للمرة الأولى رغم كثرة حواراتها مع قيادات من «حماس» على امتداد السنوات الثلاث الماضية أن مفاتيح الحل في جيب الأخير، وهو صاحب القرار، والدالة على «كتائب القسام» الذراع العسكري للحركة الذي يحكم غزة فعلياً، وهو أحد مؤسسيه، وقد أعطى مصر كل ما تريده، سواء لجهة ضبط الحدود أو منع تهريب الأسلحة وإغلاق الأنفاق، ومنع تقديم أي مساعدة للجماعات الإرهابية في سيناء، وبقيت نقطة واحدة عالقة وهي تسليم 17 مطلوباً للأمن المصري يتهمهم بارتكاب أعمال إرهابية ويلوذون بالقطاع، لكن السنوار الذي أقر بوجودهم اعتذر عن عدم استطاعته تسليمهم، لكنه تعهد بوضعهم تحت الرقابة الصارمة، ومنعهم من القيام بأي عمل يضر بالأمن القومي المصري تحت طائلة العقوبات الصارمة.
في المقابل، تعهدت مصر بمد قطاع غزة بالوقود اللازم لتشغيل محطة الكهرباء، بعد امتناع السلطة الفلسطينية تسديد فاتورة الوقود لإسرائيل، وإعادة فتح معبر رفح وتوسيعه لاستيعاب حركة الأفراد والبضائع، وينتظر أن يعمل بكل طاقته مع حلول عيد الأضحى بعد شهرين.
أما بخصوص دحلان، فقالت المصادر: إن له مصلحة في هذه التفاهمات، إذ إنها تتيح له ومن معه العمل بحرية في القطاع، وتوسيع نفوذه فيه، كما أنها تمهد له الطريق للعب أدوار لاحقة في مرحلة ما بعد عباس، كاشفة عن أن دحلان لا ينوي الإقامة في غزة، وإذا ما عاد سيعود زائراً، كما أن إقامته في الخارج تخفف من حرج «حماس» التي طالما نعتته بأشد الصفات والنعوت سوءاً، وما زالت قاعدة واسعة من جمهورها ومنتسبيها ترفض التقارب معه.
الخاسر الأكبر
ووفق المصادر، فإن الخاسر الأكبر لهذه التفاهمات سيكون عباس وقيادة «حماس» في قطر، وربما بعض قياداتها في غزة، بمن فيهم رئيس مكتبها السياسي الجديد إسماعيل هنية، إذ أثبتت هذه التفاهمات أن السنوار وقيادة «القسام» هم أصحاب الكلمة الأولى والأخيرة بشأن مستقبل غزة. وأشارت المصادر إلى أن الرئيس عباس الذي أخذ على حين غرة، وبات يقف في أضيق الزوايا إثر إعلان التفاهمات، ليس أمامه سوى البحث عن مدخل لاستئناف محادثات المصالحة مع «حماس» والتراجع عن إجراءاته الأخيرة بخصوص الكهرباء والصحة وخصم نسبة الـ%30 من رواتب موظفي غزة ووقف رواتب 277 أسيراً وغيرها، لقطع الطريق على أن تؤدي هذه التفاهمات إلى انفصال غزة عن الضفة. وكشفت المصادر، عن جهود تبذلها عدة أطراف فلسطينية تخشى هي الأخرى من أسوأ الاحتمالات تحاول إيجاد صيغة تكون بمثابة سلم يضمن لجميع الأطراف النزول الآمن عن شجرة الشروط المتقابلة. وأضافت المصادر أن أحد المحاولات الجارية حالياً لإقناع «حماس» بحل اللجنة الإدارية التي شكلتها لإدارة قطاع غزة التي يعتبرها عباس شرطاً مسبقاً لبحث كل الملفات الأخرى، رغم أن حلها لا يغير شيئاً على الأرض، لكنه يتيح له ألا يظهر بمظهر الخاسر، مقابل تلبية طلباتها.
وبافتراض نجحت الوساطة بين عباس و «حماس»، فهل ستتخلى الأخيرة عن تفاهماتها مع دحلان؟ أجابت المصادر أن التفاهمات مع الأخير تمت بموافقة ورعاية مصرية، بالتالي، فإن أي تخل أو إخلال بها يعني المغامرة بالعلاقة والتفاهمات مع مصر التي تم التوصل لها بشق الأنفس، ما يعني أن عروض عباس ستكون مجانية، وربما عليه أن يجد صيغة للتفاهم مع دحلان وتياره، وهو ما يعني توسيع نطاق التفاهمات، وليس إقصاء أحد أطرافها، وهو ما يعني قبوله بخطة «الرباعية العربية» بعد أن تحقق جزءاً منها بقوة الأمر الواقع، وحتى لا يتحقق الجزء المتبقي منها من دونه.