تدقيق شامل في الحسابات المشبوهة
عادت إلى الواجهة قضية الحسابات المتضخمة على نحو غير مبرر كفاية، وآخر فصولها ما يتداول عن احالات حسابات مشاهير في وسائل التواصل الاجتماعي إلى وحدة التحريات المالية، لكن القضية بدأت قبل ذلك هذه السنة على الأقل، ومفتاحها في القضية التي كشفتها القبس عن بنود الضيافة في إنفاق وزارة الداخلية اواخر 2017، هذه القضية وصلت اصداؤها إلى النيابات العامة والقضاء بأرقام تعدت عشرات الملايين.
كان بنك الكويت المركزي، ومنذ كشف القبس للايداعات المليونية في حسابات عدد من النواب السابقين، شديد الحرص على عدم تكرار ما حصل، ووضع لذلك آليات يفترض انها محكمة لا بل شديدة الاحكام منعاً لأي غسل أموال وتمويل إرهاب.
ما كشفته قضية «ضيافة الداخلية» أظهر أن هناك خرقا ما للتعليمات أو عدم التزام بها، ويذكر أن الكويت ملتزمة بمعايير واتفاقات دولية في هذا المجال المتصل بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وفي تلك القواعد التزام المصارف بمراقبة أي حساب يتضخم على نحو غير عادي وتدقق فيه جيداً، فالبنك هو الاقدر على ذلك والأعلم بأوضاع عملائه، ويمتلك جميع المعلومات اللازمة، كما باستطاعته طلب معلومات من العميل عند الضرورة ويجري ما يلزم للوقوف عن كثب على حالة تضخم الحساب أو الحسابات، ومصدر الأموال، وعند الاشتباه عليه فوراً الاحالة الى وحدة التحريات المالية التي اصبحت بموجب الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الكويت الجهة المسؤولة والمناط بها جميع التحريات المتعلقة بتضخم الحسابات، والنظر في البلاغات المقدمة اليها مباشرة من البنوك في هذا الشأن.
وتقوم وحدة التحريات، وهي جهاز رسمي مستقل انشئ بناء على متطلبات دولية ولا يخضع أو يتبع لأي جهة، بالنظر في الاحالات واجراء التحقيقات والتحريات اللازمة، ومنها الاحالة الى النيابة العامة وجميع التدابير الاخرى ذات العلاقة.
وتخاطب القوانين والاتفاقيات بشأن تضخم الحسابات البنوك التي لديها الآن وحدات مخصصة بالتدقيق، وتسمى وحدة الالتزام، وفيها عدد من الموظفين المعنيين بمتابعة الحسابات والايداعات، ويعطيها القانون حق الاحالة مباشرة الى وحدة التحريات المالية، كما ان القانون والاتفاقيات المشار اليها تحتم على البنك والموظفين المخاطبين الالتزام تحت طائلةالمسؤولية الجنائية.
وقبل عقد من الزمن كانت هذه المسؤولية مناطة بالبنوك المركزية، إلى أن جاءت القرارات والاتفاقات الدولية في شأن مكافحة الإرهاب وغسل الأموال لتفصل هذه المسؤولية عن البنوك المركزية وتلحقها بجهاز مستقل. ولم يعد للبنوك المركزية مسؤولية مباشرة في متابعة تضخم الحسابات وتلقي البلاغات والتحويل إلى النيابة، وانحسر دورها في النظر بتقارير متابعة دورية وتقارير تفتيش ميداني عن الالتزام بالذي يقوم به البنك تجاه مختلف التعليمات، ومنها التزامه باتباع الإجراءات المنصوص عليها في قانون مكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال فقط، من دون النظر في الحالات واتخاذ أي إجراءات تجاهها كالتحويل إلى الجهات الأمنية والقضائية، ويقتصر دور البنك المركزي على تطبيق الجزاءات بحق البنك المخالف لأي تعليمات.
وعلى صعيد الجزاءات، علمت القبس أن بنك الكويت المركزي وقع غرامات باهظة بحق بعض المصارف وبمبالغ هي الحد الأقصى في هذه الحالات والأولى من نوعها في تاريخ العمل المصرفي في الكويت. وتلك الجزاءات أتت بنتيجة اكتشاف دخول أموال مشبوهة ذات علاقة بقضية ضيافة الداخلية. ومن هنا بدأت رحلة التفتيش المنهجي الذي أرادته البنوك من تلقاء نفسها وبتشجيع من بنك الكويت المركزي الذي لسان حاله: دعوا عنكم حسن النية، وفتشوا جيداً في الحسابات والودائع لاكتشاف المتضخم فيها على نحو غير مبرر.
وتضيف المصادر أنه نتيجة ذلك الحراك الحريص على «النظافة» المصرفية تم اكتشاف تضخم في عدد من حسابات مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي والمغردين والفاشينستات.
وذكرت الزميلة «الجريدة» أن مصارف أحالت إلى وحدة التحريات المالية عدداً من تلك الحسابات التي يصل عددها إلى 10 على الأقل.
وفي هذا السياق، تشير مصادر إلى أن تلك الإحالات فتحت ملفاً آخر ذا صلة بإيرادات الإعلانات التي تذهب للمغردين والفاشينستات.
وسألت المصادر المعنية عن التقصير الفاضح لوزارتَي الإعلام والتجارة في هذا الصدد. إذ إن كثيراً من دول العالم نظمت هذا القطاع، وكذا فعلت دول خليجية مثل الإمارات والسعودية عندما فرضتا على مشاهير إعلانات السوشال ميديا طلب ترخيص أو رخصة مقابل ثمن، على أن يطلب تجديد الترخيص دورياً وفقاً لشروط معينة، وتوضح المصادر أن في ذلك التنظيم حماية لأطراف عدة معاً لا سيما حماية المستهلكين لأنهم أول المتأثرين بتلك الاعلانات لانها تروج لسلع ومنتجات وخدمات.
والسؤال المطروح: هل نظم قانون تنظيم الاعلام الالكتروني الذي اقر قبل سنتين مسألة ما يقوم به مشاهير السوشيال ميديا حاصدو الملايين من انشطتهم؟ وإذا كان هناك تنظيم فلماذا الحبل على غاربه؟
وتؤكد المصادر أن ذلك القانون بقي قاصراً في هذا المجال تحديداً، ولو انه نظم هذا القطاع لما وصل الأمر بالمصارف الى الاشتباه بمصادر الاموال واحالة بعض تلك الحسابات الى الجهات المختصة للتحقيق فيها.
أما في جانب تقصير وزارة التجارة، فتشير المصادر المطلعة الى قضية النصب العقاري، وكيف ان شركات بيع الوهم لجأت الى بعض مشاهير السوشيال ميديا لترويج «مشاريع» اتضح انها افخاخ وقع فيها آلاف الضحايا حتى بلغت خسائر المواطنين نحو مليار دينار.
وتضيف المصادر ان وزارة التجارة منعت البيع في المعارض العقارية، ووضعت شروطاً صارمة لاقامة المعارض، لكنها غفلت عن السوشيال الميديا وعن مشاهير استغلوا حضورهم وتأثيرهم وعقدوا اتفاقات مع شركات باعت الوهم على الناس واحتالت عليهم. فأين كانت وزارة التجارة من ذلك وما مسؤوليتها الى جانب مسؤولية وزارة الاعلام أيضاً؟
كما السؤال المطروح هو حول صلاحيات وزارة التجارة الجزئية في مسألة الاعلانات والتخفيضات والعروضات والجوائز، وما الى ذلك من ممارسات قد تجدها في حسابات مشاهير المغردين والفاشينستات.
وتبقى الاشارة إلى أن تحسين بيئة الأعمال ضرورة لكن الرقابة أكثر من ضرورة حتى لا يبقى حبل الفساد على غاربه!
فراغ في رأس حسّاس
مضى على استقالة باسل الهارون من رئاسة وحدة التحريات المالية نحو 7 أشهر، وتستمر تلك الوحدة بلا رئيس رغم كل التطورات الحساسة التي مرت عليها خلال الآونة الأخيرة، لا سيما البحث والتحري عن حسابات متضخمة بعشرات ملايين الدنانير. وتسأل المصادر المتابعة عن سر بقاء ذلك المنصب شاغرا، ولماذا لا تستعجل الجهات المعنية في ملء الفراغ؟ وتقول: هكذا أجهزة لا تحتمل الفراغ بالنظر إلى خطورة المهام التي عليها القيام بها.
لغاية في نفس يعقوب
سعت وزارة التجارة جاهدة لتحسين بيئة الأعمال في الكويت، وأعدت قوانين وأصدرت قرارات بالجملة في هذا السبيل، حتى انها وصلت إلى تنظيم الأعمال المتناهية الصغر، التي ايراداتها بالآلاف القليلة، واهتمت بأعمال البيع والتجارة من المنازل… وتستغرب المصادر كيف غاب عن ذهن «التجارة» قطاع ايراداته بعشرات الملايين هو قطاع إعلانات مشاهير السوشال ميديا والمغردين المؤثرين. فهل فعلاً غفلت عن ذلك أم أنها لا تريد إغضاب هذه الشريحة لغاية ما في نفس يعقوب؟