المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار مثبتة

تجار الإقامات.. أكبر من «الشؤون»!

الانتهاكات لم تتوقف.. والأزمة تكبر.. والمدعى عليهم غير عابئين بسمعة الكويت دولياً وما يصدر بحقها من تقارير في ملف «الاتجار بالإقامات».. والمسؤولون يحاربون القضية بالتصريحات الرنانة، وفي الواقع يتخذون قرارات صارمة في ملفات أخرى، حتى بات من المؤكد أن تجار الإقامات، الذين يستمرون في كسب الثراء الفاحش من خلال تزويد الكويت بالعمالة الهامشية، هم في الواقع أكبر من الشؤون!
ففي الوقت الذي يفترض فيه أن تقوم الحكومة بمحاربة المتسببين في هذا الملف الذي يشوه صورة الكويت الإنسانية، وإحالة المتورطين فيه إلى النيابة العامة فوراً، نجد أن أغلبية الدراسات في هذا الشأن تذهب إلى الأدراج والنسيان، ولا يفتح هذا الملف إلى عندما تصدر تقارير دولية سنوية تؤكد أن هناك عمالة يتم جلبها من دون الحاجة إليها، فلا هم يعملون ولا هم يُتركون في بلدانهم.
المشكلة الأكبر والأخطر من ذلك هي أن الاتجار بالإقامات يجر وراءه مشاكل عديدة أصبحت الدولة تئن منها وتبحث لها عن حلول، ولكن من دون جدوى، ومنها «الازدحام المروري»، و«التركيبة السكانية»، و«ظاهرة التسول»، و«العمالة السائبة»، التي أصبحت نتيجة بلاغات التغيب، حتى أضحت بعض المناطق مرتعاً للهاربين من بلادهم والمتكدسين في بعض المناطق ومنها جليب الشيوخ.
القبس تفتح الملف وتسأل: من الذي يجرؤ على تنظيف سمعة الكويت من المتاجرين بالإقامات؟
ومتى نرى إعلان أسماء المتهمين بهذا الملف وإحالتهم إلى النيابة؟
وإلى متى يتم توجيه الإجراءات إلى الحلقة الأضعف (العمالة البسيطة)؟
وبعد تطبيق برامج الميكنة واكتشاف الشركات الوهمية، لماذا التأخر في اتخاذ الإجراءات القانونية؟!

%73 من العمالة في الكويت ضحايا لتجار الإقامات
بينت دراسة نفذتها الباحثة فاطمة الرامزي بإشراف د. رمزي سلامة من قطاع الدراسات والبحوث في مجلس الأمة عن وجود مليون و322 ألف عامل في الكويت يعتبر من فئة العمالة الهامشية وأغلبهم ضحايا تجار الإقامات، في حين بينت تقارير الهيئة العامة للإحصاء الصادرة عن العام 2015 أن نسبة المشتغلين من غير الكويتيين يشكلون النسبة الأعلى من سوق العمل منهم %38.7 يحملون شهادات دون المرحلة الإبتدائية و34.6 من الشهادات المتوسطة وهي الفئة التي اعتبرتها دراسة مجلس الأمة الأكثر استهدافا من «تجار الإقامات».
وبينت الدراسة أنه في عام 20144 وفي إحدى الحملات التي قامت بها وزارة التجارة تم الكشف عن «ألف رخصة تجارية مزورة تم من خلالها جلب 40 ألف عامل يعتبرون الآن عمالة وافدة هامشية وسائبة أحيانا قبل عدة أعوام» الأمر الذي بات يشكل أرقا للمجتمع الكويتي، حيث أكد حقوقيون أن «العمالة دخلت بشكل رسمي وبعقود عمل تم استغلال حق الكفالة والمتاجرة بها مما تسبب لهم بمجموعة هائلة من المشكلات أبرزها الإبعاد الإداري، تحويل من كفيل لآخر، بطء اجراءات التقاضي، حجز الكفيل لجواز السفر ومنعه من مغادرة البلاد».
وبينت الدراسة أن الكويت تعاني وبحسب تقارير الخارجية الأميركية الصادرة في 20144 من «عدم وجود جهود وطنية تقود وتنسق لمكافحة الاتجار بالبشر، لا سيما في ظل انعدام اجراءات التعرف المبكر على الضحايا لاستمرارها بالاعتماد على نظام الكفيل «في حين تحسن الأمر في عام 2017 بحسب التقرير الأخير، حيث تقدمت الكويت للفئة الثانية تحت المراقبة.

مجلس الأمة: الفساد والتخبط الإداري سبب الظاهرة
قالت ادارة الدراسات والبحوث في قطاع البحوث والمعلومات بمجلس الأمة في دراسة لها حول التركيبة السكانية أن «هناك خللا متمثلا ليس فقط في عدم التوازن بين أعداد كل من المواطنين والوافدين ولكن أيضاً لأن هذه الزيادة في عدد الوافدين أغلبها عمالة هامشية وسائبة وعليها الكثير من الملاحظات الأمنية والاجتماعية».
وأضافت أن «الخلل في التركيبة العمالية هو خلل مضاعف ويبلغ حالياً 1 كويتي الى 3.33 غير كويتي بعد ان كان 1 كويتي الى 5.2 غير كويتي عام 2010، وهو يعكس بوضوح التحسن الطفيف في التركيبة السكانية».
وتابعت: «أن كل من دخل الكويت كان بتأشيرة مصدق عليها من الجهات الرسمية وأغلبها بالطبع للعمل، الا ان ليس كل وافد في الكويت على رأس عمل، ومن المثير حقاً ان عدد من وضعت لهم وزارة الداخلية خطة للابعاد والترحيل يبلغ مليون وافد في 2014 لأسباب عدة، اما لأنها عمالة سائبة من ضحايا تجار الاقامات او لأنها تحمل امراضا معدية، او لأن بينهم بعض من مرتكبي الجرائم، مثل السرقة أو الدعارة أو التزوير وأصحاب المشاكل، وبعضهم هارب من التجنيد في بلده».
وأرجعت الدراسة أسباب وجود مثل هذه العمالة «إلى وجود شكل أو آخر من الفساد والتخبط الاداري، فأكثريتهم من ضحايا تجار البشر، وهؤلاء لا تهمهم مصلحة الوطن، ولا يكترثون بالآثار الأمنية والاجتماعية لخلل التركيبة السكانية في الداخل».
وخلصت إلى أنه لو «نجحت الحكومة في استبعاد العمالة الزائدة، فسوف تنعكس النسبة للتحول من (1) مواطن لكل (2.15) وافد عام 2013 الى (2) كويتي لكل (1) غير كويتي عام 2023 وبذلك تتوازن وتتحسن كثيرا التركيبة السكانية، ناهيك عن الاجراءات والسياسات الحكومية المزمع تطبيقها للتعامل مع افرازات هذه القضية على الجوانب السياسية والاجتماعية والامنية والاقتصادية».

تصريحات رنانة ولانتائج في اجتثات الظاهرة!

عقدان ونيف من الزمن، أو ربما أكثر، عمر وعود المسؤولين المعنيين بمحاربة ظاهرة تجارة الإقامات، حيث كشفت رحلة البحث عن التصريحات الصحافية للوزراء المعنيين بالظاهرة في أرشيف القبس، عن قدمها، فمنذ منتصف تسعينات القرن الماضي، وهناك مساع لمحاربة هذه الظاهرة، حيث كانت القبس تنقل أولاً فأول ما كان يجري في لجنة تحقيق برلمانية عام 1996 عن تجارة الإقامات.
وعلى الرغم من التصريحات الرنانة بمحاربة هذه الظاهرة، التي رأى البعض في تصريحاتهم أنها سبب وجود عمالة زائدة عن الحاجة في البلاد، فإن تصريحات متتالية لوزراء ومعنيين في سنوات لاحقة، تعد بمحاربة المتورطين في تجارة الإقامات، أسقطت ورقة التوت عن الفساد المستشري في هذا الجانب. فلو كانت مساعي محاربتها ذات نتيجة، منذ عقود، لما استمرت الظاهرة إلى يومنا هذا.
فقد استمرت تصريحات المسؤولين المعنيين في السنوات العشرين الماضية على ذات الوتيرة التي يمكن تلخيصها بعبارة مقتضبة «سنحاسب المتورطين في تجارة الإقامات»، وبوعد «إحالتهم إلى النيابة»، فاستمرار هذه الوعود يكشف أن الظاهرة ما زالت موجودة إذاً! فأين ذهبت جهود المحاسبة منذ القرن الماضي إلى الآن؟!
وبنظرة على آخر عشر سنوات من عمر وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، قبل فصلها إلى وزارتين، نجد أن أغلبية، إن لم يكن كل، الوزراء الذين تولوا حقيبتها أعلنوا محاربتهم للظاهرة، مما يعني اعترافهم بوجود «تجارة الإقامات» كنوع من أنواع الفساد المستشري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى