بقلم: ياسمين الشيباني

من لا يَحْتَرِم نفسه لا ينتظر الإحترام من غيره
حدثني وقلبه يعتصر ألما علي ماوصل اليه حال ليبيا والليبين، وكان حديثه شهادة لتاريخ فقال لي اذكر في غمرة الاحتفال بذكرى تأسيس حركة الضباط الوحدويين الأحرار الواحدة والخمسين التي احتضنتها مدينة سبها ، وجهت القيادة من خلال خطابها احتفاءً بهذه المناسبة إلى الاستفادة من خبرات وإمكانيات المهندس سيف الاسلام، وما يجتمع لديه من مواصفات ومؤهلات قيادية تؤهله لمواجهة حجم التحديات التي يفرزها الواقع المعاش من حولنا.
فانطلقت كل من أمانتي مؤتمر الشعب العام واللجنة الشعبية العامة وكافة الأجهزة التنفيذية التابعة لهما، ساعين لإنفاذ هذا التوجيه من خلال إصدار جملة من القرارات التنفيذية تُرجمت في تشكيل عدد من اللجان الفنية، محاولةً منها في رسم ووضع التصور العملي لهذا التوجيه (لجنة القانونية لمراجعة التشريعات القائمة – صياغة الدستور – لجنة الهيكلة الإدارية العامة – اللجنة الاقتصادية وتوزيع الثروة ).
شغل عمل هذه اللجان لفترة طويلة الأداء اليومي لكافة المؤسسات والهيئات والأجهزة التشريعية والتنفيذية من قمة الهرم الإداري إلى قاعدته في الجماهيرية، وصار جل اهتمامها الوصول إلى الهدف المنشود وهو إرضاء القيادة في إنفاذ التوجيه الصادر وكأن المطلوب محاولة استدراك الوقت المتبقي لحياة القيادة وتوريث المهندس سيف للسلطة قبل رحيل القيادة.
هذا الفهم الخاطىء أدخل عمل اللجان في الكثير من التناقضات والاختلافات مع روح النظام الجماهيري القائم على سلطة الشعب ، وتعطيل انجاز الهدف الحقيقي من وراء التوجيه (محاولة القيادة إنعاش مشروع ليبيا الغد الذي كان قد تبناه سيف الاسلام في منتصف العقد الماضي، بعد أن لاحظت وضع الكثير من العراقيل والصعوبات أمام طريق تحقيقه) غير أن العقول التي جبلت على التنافس في سرعة إنجاز التوجيهات والتعليمات بغية إرضاء القيادة بأي طريقة كانت دون الالتفات إلى النتائج المرجوة.
سلكت نفس المسلك الذي اعتادت عليه ما جعلها تنصدم مع رفض القيادة في كل مرة تحاول أن تعرض فيها ما توصلت إليه من عمل ، والذي لم يصل إلى مستوى ما تصبو إليه القيادة. كان أخرها اللقاء الذي قال فيه امبارك الشامخ والذي جبل على التزلف والنفاق : ” غير كيف تبيها يا عموره تبيها ملكية انديروها ملكية، تبيها جمهورية انديروها جمهورية، غير أنت قول كيف ونحن ننفذ ” عقب هذا اللقاء تم تجميد كل شيء.
وهذه العقول لم تكن تضع مصلحة الوطن أو المواطن أو الأجيال القادمة في أي من أقوالها وأعمالها، بل كان ما يحركها الأنا والمصلحة الذاتية للحفاظ على التواجد حول أروقة الخيمة، وقد لاحظنا كيف كان موقف هذا الأفاق الشامخ بمجرد تنحيته وتجريده من مواقعه التنفيذية حيث كان أوائل من طعن ولي نعمته الذي كان يمجده بسبب أوبدونه.
لو كان المقصود من توجيه القيادة إلى الاستفادة من إمكانيات وخبرات سيف الاسلام التوريث ونبذ نظام سلطة الشعب والقبول بديمقراطية الصناديق كما فهم الكثير ، فلماذا كل هذا العبث طيلة 40 عام من التنظير والترويج لسلطة الشعب وإهدار الأموال والجهود على التطبيق؟، ولماذا لم تقبل القيادة بعروض المنافقين من حولها أمثال الشامخ بتحويل ليبيا إلى ملكية إرضاءً لها؟ ولماذا لم تقتنص العروض التي جاءتها من الغرب خلال عام النكسة من تمكين سيف من الوصول إلى السلطة، وتجنيب الوطن والمواطن وخاصة من وقفوا معها الويلات والمرارات التي يعانونها اليوم؟.
فمشاركة سيف الاسلام في هذه المهزلة تحت أي مبرر أو حجة سوف تجعله شريك رئيسي في المؤامرة على الوطن والمواطن ، وقد سبق أن وجهت إليه اتهامات المشاركة في الانقلاب على أبيه في بداية النكسة ممن يريدون تشويه سيف الاسلام وبمسلكه لهذا الطريق يؤكد هذه الاتهامات. ولا اعتقد سيف هكذا بعد مارآه ممن هم كانوا حوله وحول الشهيد الصائم ابيه .
ومن الحقوق التي تدعي المنظومة الدولية ضمانها لشعوب العالم حق تقرير المصير، غير أن جل أفعالها وممارساتها تخالف هذه المبدأ. مع هذا كله فلا مجال يدعون للتخلي عن حقوقنا امام تعنت من يقف وراء هذه المنظومة والرضوخ لممارساتهم بالمشاركة في مثل هذه المهزلة.
هناك الكثير من الشواهد عن شذوذ ممارساتها في كافة أنحاء العالم، وهذا ما يقودنا إلى عدم التسليم بحسن نواياها. كان من الأولى إجراء استفتاء عام بدون أية قيود او شروط تشارك فيه جميع شرائح الشعب الليبي حول نظام الحكم وشكل الدولة التي يرتضونها بدل فرض قوالب جاهزة بمشاركة حفنة من الخونة والعملاء ممن لا يهمهم شيء غير مصالحهم ومكاسبهم الشخصية وهذا كله اكده فشل كافة التجارب والمحاولات السابقة.
هذه المساعي التي تسوقها هذه المنظومة التي وضعت وصيتها على ليبيا ما هي الإ حلقة في سلسلة لإطالة تأزم الأوضاع ومعانآة الشعب والالتفاف عن الحل الحقيقي لتنفيذ لأطماع و مصالح الكبرى في ليبيا والتي ساهمت بشكل كبير ومباشر في دخول ليبيا وشعبها لهذا النفق الطويل المظلم.
لذت بالصمت امام هذا الحديث الطويل والشهادة التي علينا الوقوف عندها متألمة جدا لما وصل اليه حالنا اليوم.