بقلم: احمد هاني القحص
” مجتمع حسود “
بداية، احمد الله تعالى أن الأرزاق جعلها بيده لا بأيدي البشر، ولو كانت بيد البشر لحصلت مصائب وبلاوي وكوارث إنسانية ومجاعات في جميع أصقاع الكرة الأرضية، لان طبيعة البشر لديها حب الذات، وحب التملك بكل شيء، كما أن الأنا طاغية على كل المفاهيم والمبادئ الإنسانية، وهي مفاهيم مفعمة بالحسد بشكل كبير جدا، وبالتالي، إن ذلك يورد الشقاق والنزاع داخل المجتمعات بأسرها.
وهذا الامر لم يعد خافيا على الجميع بل بات واضحا وضوح الشمس في كبد السماء، حتى ان الناس صارت تحسد بعضها البعض على كل شيء، وكأنها تريد ان تملك الأرض ومن عليها، متناسين ان الارزاق بيد الله وهو الذي يرزق من يشاء بتدبيره وإرادته، وهو أعلم بأحوال عبيده، ولا يظلم أحدا عنده لان كل شيء عنده بمقدار جلة قدرته.
وفي ذلك نصوص كثيرة من القرآن والسنة النبوية الشريفة، حذرت من هذا الداء الخطير الذي لم يعد أحد يبالي به، فتراه يلقي بالكلمة لا يلقي لها بالا من اجل تمني زوال النعمة من أخيه … وقد حذرنا كتاب الله عز وجل في سورة النساء: الآيتان 54، 55 ” أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد ءاتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة وءاتيناهم ملكا عظيما ” ، كما ان هناك نصوصا قرآنية كثيرة تحذر من داء الحسد.
وكذلك في سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد أخبرنا الصادق المصدوق في حديث شريف ” سيصيب أمتي داء الأمم، قالوا يارسول الله وما داء الأمم؟ قال الأشر والبطر والتكاثر والتناجش في الدنيا والتباغض والتحاسد حتى يكون البغي ” وفي حديثٍ أخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا ” .. وهناك احاديث شريفة تحذر من هذا الداء.
بالرغم من كل التحذير الموجود في شريعتنا الاسلامية الا ان العديد لم يعي ذلك، ولم يتدارك ذلك التحذير إطلاقا، وبات جلّ المجتمع حسودا من الطراز الأول في كل شيء، بل الغريب في الامر ان الغني هو أكثر حسداً من الفقير، لان البني أدم لا يملئ عينه الا التراب، وأنا على الصعيد الشخصي لا أستثني أحداً من وحل الحسد الذي يسبح به الغالبية من افراد المجتمع.
هذا الداء أستشرى في جلّ المجتمعات دون أن يعي أفراده، علما بأن علاجه أخبرنا به حبيبنا صلى الله عليه وسلم في حديثه ” أحب لأخيك ما تحب لنفسك ” نعم هذه هي الوصفة الاسلامية التي اخبرنا بها الصادق المصدوق، وهي وصفة تفوق الوصفات العلاجية الطبية البشرية آلاف المرات.
وهنا، اتمنى ان يعي الجميع لهذا الداء الخطير الذي يفوق في خطورته جميع الامراض، والذي بات يشغل هم الكثيرين من البشر الذين يفتقدون للإيمان الحقيقي المتمثل بأن الارزاق بيد رب الأرباب، ولن يأخذ رزقك كائن من كان لان رب العباد قسمها بعدلٍ وانصاف، واختم بقول الحسن البصري رحمه الله تعالى حين قال ” علمت أن رزقي لن يأخذه غيري فأطمأن قلبي “