تدعي التقوى فى كل وقت وحين وأنت والله تعلم أنك بعيد عنها، تُشعر الآخرين أنك مصلح فالح وأنت تعرف وربي أنك كاذب، تجعل شعارك مخافة الله وتتحدث عن الحياة الآخرة وأنت تالله تفطن أنك فاجر، تجعل شعار محمولك صوتا وصورة آيات من الذكر الحكيم أودعاء مأثور وأنت بحق من أحل القسم تحيط أنك كاذب فاجر. ألا تخجل من ظلماء تصرفاتك فوالله أشعرتنا حين رؤياك بالقرف والملل؛ لأنك تكذب ليل نهار، ألا تستحي من فظيع أعمالك الخبيثة فوالله كرهنا مصافحتك فضلاً عن الجلوس معك في مكان واحد، ألا يؤنبك ضميرك من أفعالك البغيضة فواللهسئمنا مقابلتك المعتادة. أليس لك عقل يدلك على ظلمك المتمادي فأين سوف تذهب من جسيم السؤال؟ أليس لك إدراك يُشعرك بأنك متعسف فأين سوف تنصرف من عظيم الحساب؟ أليس لك فهم صائب يُحسسك بأنك في طريق الخطيئة تمضي، وفي وحل المعصية تقبع فكيف تطيق حالك؟ أخزاك الله فقد شعرنا معك أن الحياة سوداء لا خير فيها، أخزاك الله فقد مللنا العيش معك وبك، أخزاك الله فقد رأينا الهموم شاخصة واقفة أمامنا بعد أن كنا نظنها أنها غير ملموسة ولا محسوسة. ألا يصيبك مايصيب الورى من آلام فتشغلك عنا قليلاً؟ ألا يعتريك الوجل فنرتاح من أذاك المتواصل؟ ألا يمسك اعتلال فيصرفك عن طريقنا ولو حتى لأيام؟ وفي كل الأحوال لاغرابة فهي النفس الأمارة بالسوء والمنكر..نفسك الرابضة بين أركان ضلوعك المعوجة.
لاجعل الله لك راحة بال تذكر أيها الكريه أينما كنت؛ لتستقر نفسك. ولا جعل الله لك سعة صدر تُعرف أيها البشع أينما وجدت؛ لترتاح دواخلك. ولا جعل الله لك أمان يُشاهد أيها القبيح؛ لتطمئن به فرائصك. ولا جعل الله لك سعادة أيها اللئيم في مجمل عمرك؛ لتهنأ أنفاسك. ولعلك تجد في عمق نفسك وفي كل تدبير منك وبال عليها، وعساك أن ترى في كل سيئة تخطط لها في ظلام أوقاتك التعيسة تدمير لشرورك، وياليتك ترى في كل أفكارك الخبيثة مآل حزن ونكد وأسى في خطاك الدنيئة. أتعبتنا كفانا الله حقير مضرتك، أرهقتنا أزالك الله عن مسير حياتنا، كدرت كل خواطرنا كدر الله كل خواطرك. كل إنسان مؤمن يُخطئ ثم يتوب إلا أنت أبعدت عن قلبك أبواب التوبة، كل إنسان مؤمن يذنب ثم يطلب العفو إلا أن أنت أصبحت وكأنك تؤام للخطيئة، كل إنسان مؤمن يتجاوز الحد يلجأ للاستغفار إلا أنت تتمادى في غيك. وكأن الإيمان بعد عنك كمابعدت السماء عن الأرض فلا أثر له فيك، وكأن التقوى لم تلبسها يوماً فكنت أشبه بالعريان، وكأن نور الهداية أطفئ في أركانك فأصبحت العتمة فيه كاملة. لا آيات محكمات من القرآن تسمعها فتجدي معك، ولا أحاديث شريفة مبعوثة من مشكاة النبوة تقرأها فتتعظ منها، ولا نصح من ناصح محتسب يعرض عليك عظاته فتستفيد منها. ستجد جزاءك أيها البغيض حتماً فلا تسر بسوء أفكارك، وستجد مصيرك المؤلم فلا تفرح أبداً بنتائج أفعالك فالدنيا قصيرة.