بعد معركة جرود عرسال.. لبنان وحزب الله إلى أين؟

انقضى الأسبوع الأول من معركة جرود عرسال، ويوشك حزب الله أن يعلن «انتصاره» على مسلحي جبهة النصرة بعد سيطرته على مواقع استراتيجية في جرود القلمون، وصولاً إلى حدود السلسلة الشرقية لناحية عرسال، فيما يبدو أن المرحلة الثانية من معركته ضد تنظيم داعش «مؤجلة» لحين استكمال تحضيراته.
ولا يزال تنظيم داعش بمنأى عن نيران حزب الله وغارات النظام السوري، علما أن الماكينة الإعلامية للحزب بوزرائها ونوابها وإعلامييها لم تفوت لحظة طيلة العامين المنصرمين للتذكير بالخطر الداهم على لبنان من الحدود الشرقية المتمثل بـ«داعش».
يلفت مصدر عسكري لـ القبس أن حزب الله لم يدخل حتى الآن في معركة ضد «داعش» الذي يسيطر على مساحة تتعدى 200 كلم مربع في الجرود السورية واللبنانية. ولا تزال معركته محصورة بجبهة النصرة فقط. ويضيف المصدر أن مسلحي «داعش» منتشرون بين جرود عرسال وجرود القاع ورأس بعلبك على طرفي الحدود ويتراوح عددهم بين 400 و600 عنصر وسبل قتالهم تختلف عن النصرة، كما نرى في الرقة وفي الموصل وكما رأينا قبلاً في الرمادي والفلوجة.
ويتصدر الواقع العسكري والميداني المشهد اللبناني اليوم مزيحاً السياسة الى المشهد الخلفي. وقد يكون كلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب إثر لقائه برئيس الحكومة سعد الحريري عن أن «حزب الله» يشكل تهديداً للدولة اللبنانية، وللشعب اللبناني وللمنطقة برمتها، هو ما كسر الجمود السياسي القائم. هذا فيما يتضح يوما بعد يوم ان التوافق السياسي يسري على الملفات الكبرى لا سيما الأمنية، فيما هامش الاختلاف والمماحكة بين القوى اللبنانية متروك للقضايا والملفات الاقتصادية والاجتماعية.
اعتراض «المستقبل» المتفرد
وكان اللافت ان تأتي محاولة الاعتراض الرسمية اليتيمة على تفرد حزب الله بمعركة الجرود من كتلة المستقبل النيابية برئاسة فؤاد السنيورة واعتبارها أن «خوض حزب الله هذه المعركة يمثل قرار القيادة الإيرانية ومخططاتها بهدف إحكام السيطرة على المنطقة الحدودية الشرقية من لبنان.. لتطويع نظامه وتحويله إلى نظامٍ مُشابهٍ للنظامين الإيراني والسوري».
القوات اللبنانية الممثلة في الحكومة إلى جانب حزب الله لم يصدر عنها أي بيان يدين او يعترض، وبعدما كانت مؤتمرات رئيسها سمير جعجع تتمحور حول مواجهة حزب الله والرد على كلام أمينه العام، صدر بالأمس كلام عن جعجع، قدّر فيه «تضحيات عناصر حزب الله الصادقين» معتبرا أن «التقدّم الذي أحرزه حزب الله في الجرود، وسيطرته على عدد من المواقع التي كانت تحتلّها جبهة النصرة، حقّق نتيجة إيجابية لأنه سيحمي القرى ويُريحها».
كلام جعجع احتفت به صحف الممانعة، واعتبرته سياقاً طبيعياً في مجاراة الموجة الشعبية الداعمة للحزب. وزير الشؤون الاجتماعية بيار أبو عاصي ممثل القوات اللبنانية في الحكومة الحالية قال في اتصال مع القبس ان موقف القوات من الدولة واضح جداً: حصرية القرار للسلطة التنفيذية وحصرية تنفيذ أي قرار، لا سيما الأمني او العسكري، للجيش والقوى الشرعية دون سواها.
هذا في المقاربة العامة، أما خوض حزب الله معركة «ما يسمى» جرود عرسال، «كونها مناطق متداخلة لم تُرسّم فيها الحدود» فله أسبابه ونتائجه. وتعتبر القوات أن «المعركة هي جزء من الحرب الدائرة في سوريا، وهي غير مرتبطة بحدود لبنان ولكن من نتائجها القضاء على مجموعات مسلحة على الحدود نحن نناصبها العداء، وكلما ابتعدت عن حدود لبنان سنكون بوضع أفضل».
ولا يتوقع أبو عاصي أي انعكاسات لمعركة الجرود على العمل الحكومي، «فالكل متوافق على المحافظة على الاستقرار الأمني والسياسي وتدعيم مؤسسات الدولة، وأن هذه المعركة كسواها من المعارك التي خاضها حزب الله في حلب أو حمص أو القصير لن يكون للبنان أي موقف منها».
«داعش» و«النصرة» أعداء الثورة
وعلى وقع الانتصارات والتلال المتهاوية تباعاً، تحدث أمين عام حزب الله حسن نصرالله مساء أمس فيما تواصل قيادات حزبه تخوين ومهاجمة الأصوات المعترضة على تفرد حزب الله بقرار الحرب وخروجه على الإجماع الوطني واصفة أياها مواقف «سخيفة».
وفي حديث لـ القبس، لا يرى النائب في كتلة المستقبل عقاب صقر أي تأثير للمعركة على عمل الحكومة لأن حزب الله منخرط في الحرب في سوريا قبل ولادة الحكومة. والمعركة الأخيرة هي جزء من مخطط إيران وحزب الله في سوريا.
لكن ما يميز هذه المعركة هو أمران، اولاً: انطلاقها على خلفية مناخ ممانع، إعلامي وسياسي وشعبي، صور التقدم في تلك الجرود وكأنه عملية انتصار على جزء من الشعب اللبناني، وعلى تيار المستقبل بشكل خاص. علما أننا كتيار نعتبر أن إرهابيي «داعش» و«النصرة» أعداء لنا أولا وللشعب اللبناني وللثورة السورية. ولا شيء يثلج صدورنا أكثر من القضاء على هذه الجماعات التي نكلت بالشعبين اللبناني والسوري. مشكلة الوجه الآخر لإرهاب بشار الأسد وشبيحته والميليشيات المنضوية تحت رايته.
ثانيا: محاولة حزب الله توظيف هذه المعركة الهامشية وطنيا للتغطية على مشروعه الذي يعتبر لبنان مجرد ساحة مستباحة. يدّعي الحزب اليوم أن هدف معركة جرود عرسال لبنانيا خالصاً للدفاع عن الارض والشعب، وهنا نسأل بهدوء: إذا كان الهدف الدفاع عن لبنان لماذا تأخر الموضوع الى ما بعد القصير وحمص ودمشق وأي دفاع عن لبنان يكون في درعا وحلب وادلب وتدمر؟! وأي مصلحة للبنان بالعمل على فتح جبهة لإيران بدماء اللبنانيين في الجولان؟! بل أين مصلحة لبنان في الدفاع عنه في العراق واليمن، أو في تشكيل خلايا في مصر؟! وما أثير مؤخراً حول خلايا في البحرين ،وعن التحقيقات الكويتية الأخيرة! نسأل هل هناك أراض لبنانية في العبدلي ليتم تشكيل خلايا مسلحة للدفاع عنها؟! وقبل هذا وبعده ثمة سؤال مركزي أين الدولة والشعب اللبناني من كل هذا المشروع؟!
ويضيف صقر: «كل ما سبق يثبت أن مشروع حزب الله أكبر من لبنان ولا يراعي الحد الأدنى من المصلحة اللبنانية. وهذا هو السبب في رفع صوت تيار المستقبل دفاعا عن لبنان وشعبه وجيشه في مواجهة إرهاب النصرة وداعش وأخواتهما، ومشروع حزب الله وترهيبه للبنانيين وزج البلد في حروب متناسلة بشعارات فضفاضة تكبر يوما بعد يوم كما الأوهام».