المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار مثبتةاقتصاد

برنانكي في مذكراته: الذعر فاقم أزمة 2008

الكثير ممن عايشوا الأزمة المالية العالمية الأخيرة لطالما رغبوا في معرفة كواليس ما دار في اجتماع مجلس الاحتياطي الفدرالي في الخامس من أغسطس 2008، وعدد من اجتماعات اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة في الفترة من عام 2006 إلى 2014، وهي السنوات التي ترأس «الفدرالي» خلالها بن برنانكي.
وفي مذكراته، التي أطلق عليها «شجاعة اتخاذ القرار: ذكريات أزمة وما بعدها»، يعترف برنانكي بأن «الفدرالي» أخطأ في عدم فرض الضوابط التنظيمية على البنوك الكبيرة قبل الأزمة المالية، غير أنه نفى أن تكون السياسة النقدية لـ «المركزي» الأميركي كانت من بين الأسباب التي أسهمت في تكوين الفقاعات المالية التي سبقت انفجار الأزمة.
ولحسن الحظ، يؤكد الرجل، الذي تولى رئاسة «الفدرالي» قبيل الأزمة، أن شجاعة البنك المركزي في التصرف بجرأة منعت الاقتصاد الأميركي ومن خلفه الاقتصاد العالمي من الانزلاق إلى أسوأ فترة كساد في تاريخ البشرية.

احتاج بن برنانكي إلى 600 صفحة لتغطية فترة رئاسته لـ «الفدرالي»، في حين أن سلفه آلان غرينسبان قام بتغطية 20 عاماً قضاها في المنصب نفسه في بضع صفحات، وهذا ربما يعطي لمحة بسيطة حول الطبيعة الاستثنائية للسنوات الثماني التي قضاها برنانكي على رأس «الفدرالي».

الرجل المناسب
معظم الشخصيات التي اضطرت للتعامل مع الأحداث التاريخية المهمة لم يكن لديها ترف الاستعداد للتحديات التي تواجهها. فرانكلين روزفلت على سبيل المثال، لم يكن يخطر ببال أي من أعضاء إدارته أن بلاده قد تخوض غمار الحرب العالمية الثانية.
لكن بن برناكي هو أحد استثناءات لهذه القاعدة، وذلك لأنه أكثر من أي خبير اقتصادي آخر في وقته، أمضى حياته المهنية في دراسة الكساد العظيم، الحدث الذي تتشابه ظروفه مع الكارثة التي كان يقف على أبوابها الاقتصاد الأميركي.
وعندما بدأ برنانكي مسيرته الأكاديمية في عام 1979 كأستاذ في كلية إدارة الأعمال بجامعة ستانفورد، كانت فرضية الكساد لا تتمتع بشعبية كبيرة. وعلى عكس خبراء الاقتصاد الكلي الذين لم يفكروا في فترات الكساد في ذلك الوقت، جعلها برنانكي هاجسه، وانكفأ على دراسة تاريخها وتفاصيلها وأسباب وقوعها.
لذا كان من حسن الحظ، أنه عندما وقعت أزمة 2008، كان أقوى صناع السياسة الاقتصادية في أميركا، هو بن برنانكي، الاقتصادي الذي قضى وقتا أطول من أي شخص آخر في دراسة سابقة تاريخية لهذا النوع من الأزمات.
على سبيل المثال، كل من مارتن فلدشتاين وجلين هوبارد، الاسمان اللذان تم طرحهما في عام 2006 كمرشحين محتملين لرئاسة الفدرالي، ربما اصبحا سيكونان متساهلين مع فكرة السماح بانهيار البنوك الكبيرة تحت وطأة قراراتها السيئة. أما برنانكي فحاول جاهدا إنقاذ اللاعبين الكبار بالنظام المصرفي بسرعة وحسم. باختصار، عندما ظهر شبح انهيار النظام المالي الأميركي، كان برنانكي هو الأكثر استعدادا من بين زملائه لإدارة الأزمة وتوجيه الدفة باستخدام السياسة النقدية.

السياسيون والتكنوقراط
مجلس الاحتياطي الفدرالي، هو مؤسسة تكنوقراطية تتمتع باستقلال شبه كامل، غير أن الدول الديموقراطية عادة ما يكون لديها علاقات غير مستقرة مع المسؤولين الأقوياء غير المنتخبين، خاصة عندما تكون قراراتهم لها عواقب كبيرة على كيفية توزيع الثروة، وهو ما يؤدي إلى وجود ما يشبه الخصومة بين مسؤولي البنك المركزي والسياسيين.
في مذكراته، يروي برنانكي بالتفصيل، المقاومة الغاضبة ضد برنامج إغاثة الأصول المضطربة وعمليات الإنقاذ الأخرى، والتي جاءت بشكل رئيسي من جانب الجناح الجمهوري للكونغرس، وربما كان هذا الخلاف طبيعياً، حيث الخشية من «إغضاب» ناخبيهم إذا صوتوا لمصلحة برامج الإنقاذ.
في هذه اللحظة، لا الكونغرس ولا الناخبين كانوا يدركون مدى خطورة ترك البنوك الكبيرة لمصيرها، حيث كان كلاهما يزن الأمور بطريقة قد تكون صحيحة إذا كان الوضع عاديا، فبالنسبة لهما هذه هي النهاية المنطقية للمؤسسات الجشعة ومديريها الأغنياء. لكن على الجانب الآخر، كان مسؤولو الفدرالي، وبالأخص برنانكي يدركون أن الوضع ليس طبيعيا، ولكنهم كانوا يواجهون صعوبة في جعل الطرف الآخر يدرك هذه الحقيقة.
في إحدى الفقرات اللافتة بالكتاب، يشير برنانكي إلى الجهل الاقتصادي للجمهوريين الذين هاجموا سياساته، قائلاً: لقد أشاروا إلى تضخم غير موجود، وحين تخرج البيانات الرسمية مخالفة لتوقعاتهم، يستدعون على الفور نظرية المؤامرة.. لقد دافعوا عن أنظمة نقدية سيئة السمعة، مثل معيار الذهب كما يراها الرجل نفسه.

الكارثة الحقيقية.. فقدان الثقة
يشير برنانكي في أكثر من موضع بمذكراته إلى أن المشكلة الحقيقية في أزمة 2008، كانت حالة الذعر، موضحا أن خسائر الرهون العقارية لم تكن بهذه الضخامة، ويمكن مقارنتها بالخسائر الكبيرة التي تتكبدها سوق الأسهم من آن إلى آخر من حيث حجم الثروات المفقودة.
لذا كان السؤال: كيف يمكن أن تؤدي تلك الخسائر إلى أزمة كبرى كهذه؟ وكان الجواب هو أنه وقع سيناريو شبيه بما حدث قبل ما يقرب من 125 عاماً خلال الكساد العظيم، حين تسببت طلقة واحدة في إثارة ذعر كبير بين الجميع.
وأحد الأسباب التي جعلت «الفدرالي» يخطئ في تقدير الأثر الذي قد تحدثه الرهون العقارية، هو أنها كانت تمثل فئة صغيرة جدًا من حجم الأصول المستثمرة في السوق. وما حدث هو أن المستثمرين بمجرد أن بدأوا يدركون أن سندات الرهن العقاري المضمنة بسندات ثانوية تفقد قيمتها، اندفعت أعداد كبيرة منهم إلى الانسحاب من السوق وتصفية مراكزها بسرعة.
وفي التاسع من أغسطس 2007، منع بنك «بي إن بي باريبا» ــــ أكبر بنك في فرنسا ــــ المستثمرين من سحب أموالهم من ثلاثة من الصناديق الاستثمارية، التي تحتوي محافظها المالية على أوراق مالية مدعومة برهون عقارية أميركية.
وكان الذعر وعدم الثقة ينتشران بشكل سريع بين المشترين المحتملين، الذين انسحبوا من السوق بشكل كامل، لتبدأ موجة لبيع كل الأصول المرتبطة بالرهون العقارية الأميركية في جميع أنحاء العالم. وحتى تلك اللحظة، كان برنانكي وغيره من مسؤولي الفدرالي يعتقدون أن مشاكل الرهون العقارية لن تؤدي إلى أزمة اقتصادية كبيرة.
وفي سبتمبر عام 2008، انتقد برنانكي التحذيرات التي أطلقتها صحف كبرى مثل «فايننشال تايمز» و«وول ستريت جورنال» حول الآثار الخطيرة لخطة الإنقاذ الجديدة، وحول كونها تشجع على المزيد من المخاطرة المتهورة، قائلاً إنه مقتنع تمامًا بأن الحديث حول المخاطر المعنوية وسط أزمة مالية كبيرة هو أمر مضلل وخطير.
وأخيراً، يعتبر كتاب برنانكي مصدرا فريدا للمعرفة بالنسبة لكل مهتم بكيفية إدارة الأزمة المالية العالمية 2007 ــــ 2009، كما أنه يقدم وصفاً تفصيلياً للتفاعل بين السياسيين الأقوياء وقادة المؤسسات المالية الكبيرة ومسؤولي البنوك المركزي خلال الأزمة. (أرقام)

«ليمان برازرز»

حول ظروف انهيار «ليمان برازرز»، يوضح برنانكي أن إستراتيجية الفدرالي لإنقاذ البنك كانت معتمدة على إيجاد مشتر. وفي ظل عدم تقدم أي مشتر وفي غياب قدرة الفدرالي على ضخ الأموال بالبنك، لم يكن هناك أي وسيلة لإنقاذه، ليتم إعلان إفلاس «ليمان» في تمام الساعة 01:45 من صباح الاثنين، الموافق 15 سبتمبر 2008.
ويدافع برنانكي عن قرارات الفدرالي خلال تلك الفترة، ويرفض الفكرة القائلة إن انهيار «ليمان» كان يمكن تجنبه، وأن إفلاسه كان خيار الفدرالي، الذي رغب في أن يكون بنك الاستثمار الأميركي عبرة للجميع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى