بتول يحفوفي: تاريخ نخبوي للحركة النسوية اللبنانية
في سلسلة ندوات فكرية عقدها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في بيروت قبل ايام، كان للمرأة حضور في الندوات. فقد قدمت الدكتورة والاستاذة في الجامعة اللبنانية بتول يحفوفي بحثا تناولت فيه محطات من تاريخ الحركة النسوية اللبنانية والعربية.
حاولت يحفوفي الإضاءة على التطور الفكري والاجتماعي للحركة النسوية اللبنانية. فرأت ان الحركة شهدت موجات في حركتها الصاعدة منذ بدايات القرن العشرين.
نساء البرجوازية
الموجة النسوية اللبنانية الأولى تصدّرتها نساء من البرجوازية اللبنانية تمتعن بمستوى عالٍ من التعليم. وكان الشعار الرئيسي لنضالهن هو القضاء على الاستعمار، وطالبن بالحق في التصويت والمشاركة في الحياة السياسية من منظور قومي. وكانت رائدات الحركة النسوية اللبنانية عموماً بعيدات تماماً من اهتمامات الطبقات العاملة، وانتظمن في منظمتين رئيستين عكستا التقسيم الطائفي للمجتمع. وبعد عدد من التحركات ضد القانون الانتخابي الأول لعام 1951، والذي صنع مشاركة المرأة في الحياة السياسية، قررت المنظمتان الاندماج تحت راية «المجلس النسائي اللبناني». بيد أن نهج المجلس الجديد، لم يهدف إلى زعزعة الوضع الراهن آنذاك. وكان أن تلقى عمل المرأة السياسي مباركة القيادات السياسية الطائفية التي كان النشاط النسوي يجري تحت إشرافها. وباختصار يمكن أن نطلق على تلك الحركة تسمية «نسوية الذكور»، لأنها كانت ترضي الطوائف المسيطرة، ومنفصلة نسبيًا عن القواعد الشعبية.
نساء الحركات القومية
ظهرت الموجة النسوية الثانية في الفترة التي تلت تفكك الحركة القومية ومشاريعها الإنمائية في البلدان العربية. وانعكس ذلك التفكك انتقالًا من حركة نسائية قومية/ وطنية، إلى نسوية يسارية. والموجة الثانية هذه ظهرت داخل الأحزاب السياسية بالتحديد، فلم تكن المنظمات النسائية سوى أذرع للمنظمات الحزبية، كمثل المنظمات الشبابية. وكانت قضايا المرأة ثانوية، واحتجبت وراء قضية التحرر الوطني. وتعرّضت نسويات ذلك الجيل لمراقبة رفاقهن الرجال على رأس الأحزاب. وبعد هزيمة 1976 تعرّضت الأيديولوجيات المهيمنة (القومية العربية، الناصرية، البعث..) للمساءلة، فاستفادت النسويات من أدبيات الحركات النسوية في أوروبا والولايات المتحدة، ما أدى إلى ترسيخ بعض النخبوية الفكرية والأكاديمية، وإلى الانقطاع عن هموم المرأة المحلية، في مقابل الانصراف إلى الجهود الإنسانية، من دون مقارعة حقيقية لأمراء الحرب.
فتيات المجتمع المدني
أبصرت الموجة النسوية الثالثة النور أوائل التسعينات من القرن العشرين، قبيل بدء التحضيرات لمؤتمر بكين، وتميزت باندفاع المجموعات النسوية نحو نمط المنظمات غير الحكومية. وعلى هذا النحو حدّد المانحون الأولويات، وأدى التنافس إلى انشقاقات كثيرة. والنخبوية التي طالما طغت على النشاط النسوي اللبناني، ظلت ظاهرة في الجيل الثالث الذي تشكل من المحترِفات والخبيرات اللواتي اكتسبن المعرفة المتعلقة بمصطلحات معينة.
حلم ونسوية
بداية الموجة النسوية الرابعة تمحورت حول حركة مناهضة الإمبريالية، وأدت إلى تأسيس جمعية «حلم» انطلاقًا من النظرة إلى المرأة كتركيب اجتماعي ينتج عن اضطهاد النظام الأبوي والديني لها. غلبت على هذه الموجة نساء من الطبقات الوسطى والعليا المتمتعات بفرص التعليم الخاص في بيروت (خريجات الجامعات الكبرى: الجامعة الأميركية في بيروت، جامعة القديس يوسف، والجامعة اللبنانية الأميركية)، فأفضت إلى خلق جمعية «نسوية». ولكن نسويات هذا الجيل فشلن كأسلافهن في الخروج على الدوائر النخبوية.