المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

اقتصاد

«الوطني»: دول الخليج ليست بمعزل عن «الحرب التجارية»

أشار تقرير بنك الكويت الوطني إلى تصاعد حدّة التوترات في العلاقات التجارية العالمية التي ظهرت في وقت مبكر من العام، كتهديدات ومناوشات فقط لا غير، ويبدو أنها تحولت إلى حرب تجارية في الآونة الأخيرة، بين أميركا والصين. إذ إن لحرب كهذه تأثيراً سلبياً ليس فقط على الأطراف المعنيّة مباشرة بها، بل من الممكن كذلك أن يصل تأثيرها إلى عدة دول في أنحاء العالم. حيث من المتوقع أن تتسبّب في تباطؤ النمو العالمي، إضافة إلى تعثّر التعافي الاقتصادي الذي كان طال انتظاره بعد الأزمة المالية في عام 2008.
ومؤخرا، أعلنت أميركا والاتحاد الأوروبي عن وصولهما إلى هدنة، اتفق الجانبان بموجبها على تجميد أي رسوم إضافية والبدء بمفاوضات تهدف إلى تقليل الحواجز التجارية بين الكتلتين. ولكن لم يحدد الاتفاق بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي جدولاً زمنيًا لهذه المفاوضات. وربما دفعت الهدنة البعض إلى الاعتقاد بأنه من السهل الوصول إلى اتفاقية تجارية على المدى القريب، إلا أنه وفقا لعدة تصريحات، يبدو أن مفهوم الاتفاقية يختلف بين أميركا وأوروبا.
ففي حين اعتبرت الولايات المتحدة أنها حققت انتصاراً حتى في ما يخص الزراعة، ترى أوروبا أن الزراعة هي خارج إطار المفاوضات، في حين تعارض فرنسا بشدة حتى مناقشة هذا الموضوع. لذلك، ليس من الواضح إلى متى ستستغرق المحادثات؟ وما هي القضايا التي ستتم تغطيتها ومدى إمكانية نجاحها؟

التدابير الحمائية
والحقيقة أن الصفقات التجارية الثنائية ليست الحل الأفضل لمشاكل التجارة العالمية، حيث قد تنجح في تقديم القليل من الإصلاح، لكن لا شك في أنها ستؤدي إلى مشاكل أخرى ومع دول أخرى. وكما قال محافظ بنك إنكلترا كارني: هناك طرق «سهلة» لوضع التدابير الحمائية التي تركز على المفاوضات الثنائية، وهناك طرق «صعبة» من شأنها تحرير التجارة العالمية. أما الأولى، فستؤثر في الوظائف والنمو والاستقرار، في حين ستساهم الثانية في دعم النمو وعولمة أكثر شمولاً. ويبدو أننا نسير على خطى الأولى، إلا إذا تم حل النزاعات من قبل جميع الأطراف، وفق آليات موجهة لإصلاح النزاع التجاري القائم، مثل الآليات التي تملكها منظمة التجارة العالمية، والتي من شأنها تعزيز النظام التجاري الدولي والاقتصاد العالمي.
ولا يمكن للتدابير الحمائية أن تعالج المخاوف التجارية ولكنها حتماً ستؤثر في النمو. وإلى جانب التأثير السلبي في القطاعات في الدول المتضررة، ستولّد الحرب التجارية كثيراً من الشكوك، وسترفع مستوى المخاطر وتضعف الثقة وتوقف الاستثمارات الجديدة. ففي حين إن التأثير الأولي للرسوم قد يكون محدوداً، فإن التأثيرات غير المباشرة في الأسواق المالية العالمية وسلاسل التوريد يمكن أن تكون أكبر بكثير.

منطقة الخليج العربي
وحول كيفية تأثر منطقة الخليج بحرب تجارية محتملة أو نزاعات مطوّلة، قال تقرير الوطني: نظرياً، لن تكون هناك آثار مباشرة من الحرب التجارية على المنطقة، إذ لا تعتبر المنطقة معنيّة بشكل مباشر بهذه النزاعات الحالية. حيث تعتبر منطقة الخليج العربي منطقة مستوردة ذات عجز تجاري كبير (باستثناء صادرات النفط)، لذلك لا توجد أسباب لقيام دول أخرى بفرض رسوم جمركية على الصادرات ولا يوجد أي سبب يدفع المنطقة لفرض رسوم جمركية على وارداتها. ولكنها ستتأثر حتماً بالتأثيرات المرتدّة لتلك النزاعات من خلال العديد من القنوات:
أولاً: إذا تضرّر النمو العالمي، سينخفض الطلب على النفط كما ستنخفض الأسعار. علاوة على ذلك، تعد الصين ودول آسيوية أخرى من الدول المستوردة الرئيسية للنفط، والأكثر تضرراً من النزاعات التجارية، ما سيفرض ضغوطاً على أسعار النفط، وسيكون التأثير على أسعار النفط أكثر وضوحاً إذا ارتفع إنتاج النفط في الفترة القادمة على خلفية قرار أوبك بزيادة الإنتاج، إضافة إلى التوقعات بأن الإنتاج الأميركي سيرتفع بشكل كبير. في حال موافقة أوبك وروسيا، كما فعلتا في عام 2016، على إعادة التوازن في أسواق النفط من خلال تقييد الإنتاج، فإن ذلك قد يتسبب في خلق مشاكل مع الولايات المتحدة.
ثانياً: ستؤدي الزيادة في الرسوم إلى ارتفاع الأسعار في معظم الدول ذات الشراكة التجارية، وبالأخص أميركا. في حين أن تأثير الرسوم على الأسعار في أميركا قد جاء ضئيلاً، إلا أنه من المؤكد سوف يتسارع في الوقت المناسب. ويعتبر الصلب والألمنيوم خير مثال على ذلك. إذ يدخل الصلب في إنتاج العديد من السلع مثل السيارات والشاحنات والأجهزة وغيرها، كذلك الألمنيوم الذي يعتبر عنصرا أساسيا في العديد من المنتجات، من النقل إلى التعبئة والتغليف، فعندما يتم فرض رسوم على الواردات الأخرى، سيكون التأثير على الأسعار أعلى من ذلك بكثير. وبالنظر إلى أن دول الخليج تستورد العديد من السلع، إضافة إلى ارتباط عملاتها بالدولار، فإن التضخم المستورد سيكون أمراً لا بد منه في دول الخليج، ما سيتطلب مجموعة من السياسات التقييدية ذات التأثير السلبي والمعاكس على النمو.
ثالثًا: إذا ارتفع التضخم في أميركا بسبب الرسوم الجمركية المرتفعة، سيضطر الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع سعر الفائدة بوتيرة أسرع، ما سيدفع دول المنطقة إلى رفع معدل فائدتها نظراً للحاجة إلى إبقاء ربط سعر الصرف بالدولار الاميركي في غياب أي رقابة أو قيود على رأس المال.
رابعاً: يشهد العالم حالياً تدفقات رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة إلى الأسواق المتقدمة وبالأخص إلى أميركا، بسبب ارتفاع سعر الفائدة وقوة الدولار، وأيضاً بسبب عدم اليقين والمخاطر الناجمة عن النزاعات التجارية. وعلى الرغم من أن منطقة الخليج لم تتأثر بقدر ما تأثرت دول أخرى، فإن البعض قد شهد بالفعل بعض تدفقات رؤوس الأموال إلى الخارج. كما من الممكن أن تنخفض وتيرة تدفقات رؤوس الأموال إلى المنطقة المتوقعة من ضمّ بعض البورصات في مؤشرات الأسواق الناشئة (مورغان ستانلي وفوتسي). وقد تضطرّ دول مجلس التعاون الخليجي بعد ذلك إلى رفع أسعار الفائدة بشكل أسرع من أسعار الفائدة الأميركية لجذب رؤوس الأموال، ما قد يولّد تأثيرات ضارة على الاستثمار والبطالة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى