المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

اقتصاد

المنافسة على دولارات الحكومة … تشتعل بين البنوك

تدور في الخفاء منذ فترة منافسة شديدة بين بعض البنوك لاجتذاب ودائع الجهات الحكومية الدولارية، وتحديداً أموال الهيئة العامة للاستثمار، وذلك عبر تسعيرها بمعدلات مرتفعة جداً، قياساً بالأسعار المتداولة لدى غالبية البنوك، حيث وصلت الحرب على الدولار لعرض أسعار تقدر بـ1.1 في المئة فوق سعر الليبور (Libor) ما أدى إلى فتح عتب مصرفي مصرفي، فما القصة؟
قبل أيام، اجتمع مديرو الخزينة في البنوك الكويتية، وكان مدرج على جدول أعمالهم بنداً رئيساً، يتعلق بمنح بعض البنوك أسعاراً مبالغ فيها على الودائع الحكومية وصلت قبل أسبوعين إلى 2.3 في المئة عن فترة 3 أشهر، مقابل السعر المتداول، والذي يقل بقليل لدى غالبية المصارف عن 1.2 في المئة.
وما يستحق الإشارة هنا أن تسعير الودائع لا يرتبط بمنحنى أسعار التمويل، الذي يقدر بهامش إضافي يصل لـ3 في المئة فوق سعر الخصم المقرر حالياً بـ1.5 في المئة.
أما منحنى الفائدة على الودائع فمحكوم باعتبارات أخرى معتمدة على أن يكون التسعير بهامش إضافي فوق سعر الليبور.
وبحسب المصادر، عاتبت البنوك بعضها على القيام بتسعير الودائع الحكومية بمعدلات عالية تقارب حتى أسعار التمويل التي تمنحها حالياً وتحديداً بـ2.5 في المئة، ما اعتبرته مخالفاً لسياستها في اجتذاب الودائع وفقاً لآليات منافسة تضمن الاستقرار، مطالبة بإعادة تقنين التسعير مجدداً.
وبدا من المناقشات في هذا الخصوص أن توجّه بعض البنوك نحو تقديم أسعار مرتفعة على ودائع عملائها مقارنة بالسوق جاء مدفوعاً بالرغبة في تعويض سحوبات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية التي عادت مجدداً منذ فترة إلى السحب من أموالها لدى البنوك، بعدم تجديد بعض ودائعها التي حلّت آجالها، في مسعى لإعادة استثمارها خارج النظام المصرفي.
وبيّنت مصادر مسؤولة أن قيام «التأمينات» بتسييل بعض ودائعها دفع بنوكاً إلى زيادة تحركها نحو اجتذاب ودائع عملاء آخرين في مسعى منها لإعادة ملء الفجوة التي خلّفتها هذه السحوبات إلى جانب التأثيرات المتأتية من تراجع الإيداعات في الفترة الأخيرة بسبب تعطل أعمال غالبية الأنشطة الاقتصادية، مقابل زيادة سحوباتها في مواجهة تداعيات أزمة كورونا.
كما أن هناك اعتباراً آخر دفع بعض البنوك إلى زيادة نشاطها وأسعارها لاجتذاب الودائع الدولارية، فقبل فترة قرر بنك الكويت المركزي تخفيض نسب السيولة تماشياً مع تداعيات أزمة كورونا والمستجدات الاقتصادية التي طرأت، في خطوة لاقت استحساناً مصرفياً واسعاً، لكن من باب الحذر سعت بعض البنوك إلى تأمين مراكزها من الدولار احترازياً، وذلك تفادياً لإعادة «المركزي» في أي وقت العمل بنسب السيولة القديمة.
ورغم أن هذه المخاوف غير مبررة من الناحية الرقابية، على أساس أن أي قرار سيتخذه «المركزي» مستقبلاً في هذا الخصوص سيضمن التدرج في التطبيق ومراعاة الظروف، بما لا يدعو للهلع من إعادة ترتيب سلم الاستحقاقات مستقبلاً، إلا أن مخاوف بعض البنوك دفعها إلى اتخاذ تحركات احترازية، قبل أن يتم الاتفاق على تهدئة الأسعار وعدم المبالغة.
ومصرفياً، لا يعني اشتداد المنافسة نحو اجتذاب الودائع أن البنك يعاني من نقص سيولة، فمن نافل القول إن جميع المصارف المحلية تتمتع بمستويات مرتفعة من فوائض الأموال والتي تتسابق إلى توظيفها لدى «المركزي» بأسعار تضطر إلى دفع معدلات أعلى منها للعملاء.
ولعل ما يؤكد متانة السيولة لدى جميع البنوك المحلية معدلات التغطية للسندات وأدوات التورق التي يطرحها «المركزي» بين الفينة والأخرى لإعادة تنظيم السيولة المصرفية، والتي تتجاوز أحياناً المطروح بعشرة أضعاف. فما الذي يدفع البنوك لرفع تكلفة الأموال عليها؟
من حيث المبدأ تضطر بعض البنوك إلى تحمل كلفة إضافية على ودائع عملائها إذا كانت في حاجة أكثر من غيرها لإعادة ترتيب سلم استحقاقاتها كما هو محدد من «المركزي» والتعليمات المحاسبية في هذا الخصوص، وأمام ذلك تلجأ إلى مغازلة الهيئات الحكومية من نافذة التسعير بما يضمن إليها اجتذاب مستويات مرتفعة من السيولة، خصوصاً المستقرة.
لكن هذه الحالة تجد رفضاً مكتوماً لدى المصارف المستقرة في نسب سيولتها، والتي لا تعاني أي ضغوط في ترتيب سلم استحقاقاتها، إلا أنه من الناحية العملية لا يحق لهذه البنوك أن تشتكي منافسيها لدى «المركزي» بذريعة عرضهم لأسعار أعلى.
فالذي قد يدفع الناظم الرقابي للتدخل في تسعير الودائع وإعادة التوجيه أن تقدم البنوك أسعاراً متدنية قياساً بالمعدلات المتداولة، وقد حدث ذلك بالفعل في مرات سابقة وجه خلالها «المركزي» بعدم النزول بالتسعير إلى معدلات متدنية، حيث حدد هامشاً إضافياً بالنسبة لودائع الدينار بمعدل ثمن نقطة إضافي عن المعدلات التي يمنحها هو على أموال البنوك التي يجتذبها لتنظيم السيولة في صورة سندات وأدوات تورق.
أما في حالة رفع الأسعار فهذا شأن مصرفي المقصود منه المنافسة على الودائع بطريقة تؤدي إلى تقديم أسعار أفضل للعميل، وعادة هذا الأمر لا يثير حاجة لدى «المركزي» للتدخل إلا إذا تحولت المنافسة إلى واقع ضار بسوق الودائع.
وأمام ذلك لم تجد غالبية البنوك طريقاً لتهدئة أسعار الودائع إلا المعاتبة فيما بينها على التسعير الكريم للودائع الحكومية، حيث تم التوصل إلى اتفاق «جنتلمان» بين مديري الخزينة على إعادة حساباتهم مجدداً بما يضمن تسعير الأموال ضمن النطاق السعري الدارج لها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى