المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

اقتصاد

المشروعات الصغيرة.. ريادة كويتية لم تنعكس على الواقع

يخرج ما يزيد على 30 ألف كويتي إلى سوق العمل سنويا لينتقلوا من محراب الجامعة إلى سوق محدود ليجدوا أنفسهم بين مطرقة قطاع خاص يعطي الأولوية لتوظيف العمالة الوافدة الأقل تكلفة وسندان قطاع حكومي يعاني مع زيادة عجز الموازنة ومطالب دائمة بالتقشف لتبقى الفرص قليلة يتحول معها سوق العمل إلى نفق ضيق تمثل فيه المشروعات الصغيرة والمتوسطة أحد أبرز مخارجه ونقاطه المضيئة ليست للمبادرين من أصحاب المشروعات الذين وجدوا في أفكارهم ضالتهم ليقتحموا الحياة العملية فقط بل للعديد من الشباب الذين ستتاح لهم فرص عمل اكثر في حال نجاح تلك المشروعات ونموها داخل الاقتصاد الكويتي.

حدث تغيير بمجلس ادارة صندوق تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة مؤخرا في محاولة لتطوير اداء الصندوق من حيث قدرته على تقديم نموذج لتنمية المشروعات وعدم الاقتصار على التمويل وتقديم البرامج التدريبية فقط أملا ان يعمل الصندوق بأفكار من خارج صندوق الأفكار التقليدية.الصندوق الذي تم تأسيسه في ابريل 2013 برأسمال 2 مليار دينار لتمويل حتى 80% من رأسمال المشروعات الصغيرة والمتوسطة بشروط ان توظف من 1 – 50 كويتيا ولا تزيد تكلفتها على 500 ألف دينار، لم ينجح في تحقيق الأهداف المرجوة منه وواجه صعوبات البداية التي يتعرض لها انطلاق أي عمل جديد اضافة الى التعقيدات البيروقراطية ما عرقل تحقيق تقدم ملموس يرقى لبناء تجربة كويتية مستقلة.

التجربة الكويتية.. رائدة

بدأت التجربة الكويتية في تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة مبكرا فكعادتها جاءت الكويت رائدة لتبدأ تجربتها في العام 1997 أي قبل عامين من انشاء الهيئة اليابانية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة في 1999.

وابرز محطات التجربة الكويتية التي لم تنعكس على الواقع بعد مرور 30 عاما من انطلاقها هي: 1 – إنشاء الشركة الكويتية لتقوية المنشآت الصغيرة عام 1997م، حيث مولت الشركة 51 مشروعا حتى عام 2002م في مختلف القطاعات برؤوس أموال وصلت قيمتها الاجمالية الى 10.5 ملايين دينار.2 – إصدار قانون عام 1998م بإنشاء محفظة مالية لدى بنك الكويت الصناعي بقيمة 50 مليون دينار ولمدة 20 عاما بهدف دعم تمويل النشاط الحرفي والمشاريع الصغيرة الكويتية.3 – عملت الهيئة العامة للصناعة على تعريف الصناعة الصغيرة وعلى ضوء هذا التعريف حددت مجموعة من المزايا التي يمكن منحها لهذا النوع من المنشآت.

وقد ضمت هذه الهيئة العديد من الوحدات التنظيمية التي تعنى بالصناعة مثل قسم الدعم الصناعي والترويج والإعلام وقسم تنمية الصناعات الصغيرة والحرفية والتي تتبع إدارة الترويج والدعم الصناعي.

وبالتعرض للتجارب العالمية التي حققت نجاحات كبيرة واثرت ايجابا على اقتصاداتها لتزيد نسبة مساهمة المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الاجمالي بتلك الدول نجدها لم تكن بعيدة زمنيا عن التجربة الكويتية ولا حتى بالاطار التشريعي وانما كان الاختلاف بعيدا جدا في التطبيق وآلياته حيث وضعت تجارب الدول الاخرى نماذج تطبيقية فريدة منها من سن قوانين تلزم الهيئات الحكومية بشراء منتجات المشروعات الصغيرة والمتوسطة ووضع شروط للحصول على المناقصات الحكومية بأن تكون منتجات المشروعات الصغيرة جزءا من مدخلات الانتاج لدى الشركات الكبرى التي تحصل على تلك المناقصات وانشاء هيئات للدعم الفني وتوفير الدراسات عن الاسواق الخارجية لتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة على التصدير وغيرها كثير من الآليات والأفكار التي نلخصها فيما يلي من أبرز تلك التجارب

التجربة اليابانية.. حصة بالمناقصات الحكومية :

تعتبر التجربة اليابانية في مجال إقامة وتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة واحدة من أغنى التجارب العالمية وهي بمنزلة نموذج يمكن ان يحتذى من قبل كل الدول الراغبة في تنمية اقتصاداتها من جهة والتغلب على مشاكل البطالة والفقر ومن ابرز الركائز الأساسية التي ساهمت في انجاح التجربة اليابانية:

٭ وضع تعريف واضح ومحدد للمشاريع الصغيرة والمتوسطة وتشريع قانون (القانون الأساسي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة) والذي يعد دستورا لعمل تلك المنشآت من كل النواحي باليابان.

٭ إلزام الشركات التي تحصل على مناقصات حكومية بأن يكون نصيب الشركات الصغيرة والمتوسطة ليس بأقل من 30% من قيمة المناقصة.

٭ التأمين على المشاريع الصغيرة خوفا من مخاطر الإفلاس، حيث تقوم بتطبيق هذه السياسة مجموعة من المؤسسات المالية والتأمينية، ويمكن للمشروع الصغير المساهمة بقسط تأميني يدفع شهريا.

٭ تشجيع هيئات حكومية المشاريع الصغيرة على غزو الأسواق الدولية بمنتجاتها، وذلك بإقامة المعارض الدولية ومعاونتها على تسويق منتجاتها.

٭ إلزام المنظمات الحكومية وشبه الحكومية بإتاحة الفرصة للمشاريع الصغيرة للحصول على العقود الحكومية وإلزام الشركات العاملة بالمشروعات الكبرى بتوريد المشروعات الصغيرة المواد التي تحتاجها بدلا من استيرادها.

٭ عملت الحكومة اليابانية على تشجيع المشاريع الكبيرة على التكامل مع المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتحديث ما لديها من آلات ومعدات وتنظيم العلاقة بين أصحاب المشاريع والعمال.

التجربة الكورية.. الصناعات الصغيرة مغذية للثقيلة

قامت تجربة كوريا الجنوبية بدعم المشروعات الصغيرة على هدف رئيسي وهو بناء شبكة ضخمة من الصناعات المغذية للصناعات الثقيلة والكيماوية الكبرى بالاقتصاد الكوري بما يساهم في تحسين الميزان التجاري الكوري وزيادة الصادرات لمنتجات تلك الصناعات الثقيلة التي تمثل وزنا نسبيا كبيرا في صادرات كوريا الجنوبية وبما يعطي تلك المنتجات ميزة تنافسية مع باقي المنتجات في السوق العالمية.

ومن اهم الآليات التي طبقتها حكومة كوريا الجنوبية لتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة:

1 – الإعفاءات الضريبية والتخفيضات الضريبية للسنوات الاولى من عمر المشروع.

2 – سياسة القروض بمعدلات فوائد مميزة.

3 – تطبيق تخفيضات جمركية على الواردات التي لا تنافس الصناعة المحلية، مثل المعدات الرأسمالية، والقطع والأجزاء، والمواد الخام.

4 – إنشاء بنك متخصص للصناعات الصغيرة والمتوسطة يقدم قروضا وتسهيلات ائتمانية بالعملات المحلية والأجنبية، بالإضافة إلى تقديم الخدمات الاستشارية في الأعمال الإدارية والفنية.

5 – سن قانون تشجيع التعاقد من الباطن مع المشاريع الصغيرة والمتوسطة حيث تم تخصيص منتجات بعض قطاعات الصناعة التحويلية واعتبارها منتجات للتعاقد من الباطن للمشاريع الصغيرة والمتوسطة مع الشركات الكبيرة.

6 – سن قانون تشجيع شراء منتجات المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتأمين شراء الحكومة لمنتجات المشاريع الصناعية الصغيرة والمتوسطة.

7 – تأسيس هيئة مسؤولة عن دعم تصدير منتجات المشروعـــــات الصغيرة والمتوسطة بدءا من المساعدات الفنية وتقديم الدراسات عن احتياجات الأسواق القريبة والمنتجات التي يمكن تصديرها إليها بميزة تنافسية الى تسهيل الاجراءات وتقديم الدعم المادي لمنتجات تلك المشروعات التي يتم تصديرها للأسواق الخارجية.

التجربة الهندية.. كل ما هو صغير جميل

ارتبطت تجربة الهند بتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة برؤية المهاتما غاندي في مواجهة الاحتلال البريطاني بتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة بما يحقق الاستقلالية للاقتصاد الهندي معتمدا على مقولة الاقتصادي الألماني الشهير «شوماخر» ان كل ما هو صغير جميل واستهدفت الحكومات الهندية المتعاقبة الاعتماد على المشروعات الصغيرة والمتوسطة كسلاح فعال في مواجهة البطالة المتفاقمة في البلد الثاني عالميا من حيث التعداد بعد الصين والتي يتخـطى سكانهــا المليار نسمة.

ارتكزت التجربة الهندية على مجموعة من القرارات والسياسات التي بدأت تعريف المشاريع الصغيرة التي لا تتجاوز تكاليفها الاستثمارية 65 ألف دولار، والمشاريع المتوسطة التي لا تتجاوز تكاليفها الاستثمارية 750 ألف دولار ومن ابرز محاور التجربة الهندية ما يلي:

1 – أصدرت الحكومة قرارا بتخصيص 80 سلعة استهلاكية تقوم بإنتاجها الصناعات الصغيرة والمتوسطة فقط، ومن ثم ضمنت لها عدم المنافسة من كيانات أكبر منها وبالتالي الحماية والاستقرار.

2 – أتاحت الحكومة المجال أمام المشاريع الصغيرة للحصول على قروض ائتمان بنسب فائدة منخفضة للغاية، لتلبية احتياجاتها التمويلية وتوفير السيولة اللازمة لها وبآجال مختلفة.

3 – الربط بين أصحاب المشروعــــات الصغيرة والمتوسطة وبعضهم بعضا ومساعدتهم على أن يكونوا صناعات مغذية للمشاريع الكبرى من خلال اطلاعهم على قاعدة بيانات حكومية ضخمة.

4 – انشاء هيئة تدريبية وبحثية لإعداد الكوادر القادرة على العمل بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومركز بحثي متخصص يقدم دراسات الجدوى المرتبطة بتلك المشروعات وتقديم احدث الحلول التكنولوجية لأفكارها المتميزة.

5 – إقامة مجمعات صناعية تشمل شبكات توزيع الكهرباء والمياه والاتصالات والصرف الحي ومراقبة التلوث، وإنشاء الطرق والبنوك وضمان توافر المواد الخام، ومنافذ التسويق والخدمات التكنولوجية.

6 – خلق نوع من التكامل بين المشاريع الكبيرة والصغيرة، حيث ألزمت المشاريع الكبيرة بتقديم كل المعلومات المتاحة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة وتم الاتفاق مع الشركات الحكومية على ان تقوم الصناعات الصغيرة بالاشتراك في تصنيع 30% من الأجزاء في المعدات الهندسية الثقيلة و45% من المعدات الهندسية المتوسطة و25% من وسائل النقل و40% من المنتجات الاستهلاكية.

التجربة الأميركية.. مراكز تطوير وتجارة إلكترونية

انتهجت الولايات المتحدة الأميركية سياسة واضحة بعد الحرب العالمية الثانية لدعم وتشجيع المنشآت الصغيرة حيث وضعت تعريفا لهذه المنشآت مختلفا باختلاف النشاط الذي تعمل فيه المنشأة اتخذت العديد من الخطط والبرامج الاستراتيجية لتحقيق التطور في قطاع المنشآت الصغيرة بدأت انشاء هيئة لتنفيذ السياسة الفيدرالية لتنمية المشروعات الصغيرة والتنسيق بين كافة الوزارات والهيئات المحلية وضمان اي قرض تمويلي تحصل عليه تلك المشروعات من البنوك وتنظيم الاعفاءات الضريبية وابرز المحاور التي تميزت بها التجربة الأميركية:

1 – انشاء مراكز تطوير المنشآت الصغيرة ضمن كل المعاهد والجامعات التي يتم انشاؤها والقائم منها بحيث تعمل على تقديم استشارات وحلقات نقاش وتدريب وغيرها من المساعدات الفنية لتلك المشروعات دون مقابل وبرعاية كاملة من الحكومة.

2 – إنشاء برنامج في وزارة التجارة لتشجيع زيادة المشاريع الصغيرة في التجارة الإلكترونية حيث يتبع هذا القسم 105 مراكز تنتشر في جميع أنحاء أميركا. وكان لهذا النشاط اثر في زيادة عدد المنشآت الصغيرة.

3 – وضع استراتيجية تقوم على تشريعات وآليات تساعد المشاريع الصغيرة والمتوسطة على بيع منتجاتها وخدماتها للحكومة الفيدرالية.1٣٤

البطالة في دولة الرفاه

على الرغم من العدد القليل الذي يخرج لسوق العمل حتى وان كان متزايدا الا ان معدلات البطالة (المتعطلون لأكثر من 12 شهرا عن العمل) تصل لمعدلات كبيرة بالنظر للكويت كدولة رفاه وضمن اكبر الدول المصدرة للنفط في العالم ولا يتخطى عدد سكانها 1.3 مليون نسمة.

وصل أعداد المتعطلين في العام 2016 الى 17.5 الف مواطن بزيادة طفيفة عن مستويات العام 2015 وبنسبة زيادة وصلت الى 16% مقارنة بأعداد المتعطلين في 2014 الذي وصل الى 15.1 الف مواطن بحسب بيانات الإدارة المركزية للإحصاء في اشارة الى ازدياد الفجوة والحاجة الى حلول في ظل العسر المالي الذي تمر به دول النفط الغنية مع التراجع التاريخي في أسعار الذهب الأسود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى