الفوضى الانتخابية

بقلم : الأستاذ / فهد ديباجي
مع اقتراب حسم الانتخابات الأمريكية والعد التنازلي “أصبحنا تقريبا مضطرين نتابع عن كثب أخبار هذه الانتخابات والمؤامرات وحالة الاستقطاب والتحشيد الإعلامي وشيطنة الآخر من الطرفين ” والتي وصلت إلى مرحلة تكسير العظم ، والسبب لهذا الشغف واضح ، فمن يحكم أمريكا يؤثر على كل دول العالم ، فالكثير من الدول تنتظر هذه الانتخابات ؛ لكي تبني من خلالها سياساتها وتوجهاتها وتحالفاتها ؛ بل إن بعضها يرتبط مصير إقتصادها بنتائج الانتخابات ، إلا أن الفرق هذه المرة أن ” بايدن ” مرشح الديمقراطيين يمثل الدولة العميقة ومن يدور في فلكها أمثال :
بيل غيتس، وكبار رجال الأعمال ، والفوضى والشر ، ومعظم لوبيات المصالح واليسار المتطرف ، وأن بايدن صاحب الظهور الهزيل مجرد واجهة لهم ، و ترامب الذي يمثل الجمهوريين .
الكثير يرى أن هذه الانتخابات ستكون فريدة من نوعها ، فبعد إعلان النتيجة ستكون هناك اضطرابات مهما كان الرئيس الفائز ، وسيرفض الطرفان النتائج ما لم يكن هناك فارق كبير في الأصوات بسبب ؛ التزوير والاعتماد الأكبر على التصويت عبر البريد نتيجة المخاوف من كورونا ، والذي بدأ يحدث عملياً على أرض الواقع ، حيث أصدر مكتب المدعي العام الأميركي في ولاية بنسلفانيا بيانًا بعد اكتشاف بطاقات اقتراع عبر البريد ، والتي تم رميها في سلة المهملات ولم يتم احتسابها في مقاطعة لوزيرن بولاية بنسلفانيا ، والتي تم الإدلاء بها لصالح الرئيس دونالد ترامب .
المتوقع أن يكون هناك دور مهم للمحكمة العليا في مراجعة الانتخابات والتصديق على الفائز ، وسينتهي كابوس تسليم السلطة ،فالنظام الدستوري سيستمر بعدما لمح الرئيس دونالد ترامب عن رفضة التعهد بانتقال سلمي للسلطة إذا خسر الانتخابات المقبلة معرضاً نفسه لسيل من الانتقادات ، وأنه يدمر بذلك الديمقراطية الأمريكية.
أخطر ما تواجهه الولايات المتحدة هي “مرحلة الانتخابات” وما ينتج عنها من حالة إنقسام ، إلا أن هذه المرة كونها إنتخابات غير عادية ، فحالة الانقسام الحادة وصلت إلى مرحلة الفوضى ،
فما يجري على أرضها يُعتبر ” فوضى – تكسير – نهب – هدم لمجسمات تاريخية – تحرش ، ومطالبات بإلغاء الشرطة وكسر للقانون ” حتماً لا علاقة له بالديمقراطية الأمريكية والمجتمع الأمريكي المتعدد الأعراق والثقافات والخلفيات ، ولم تعد الديمقراطية الأمريكية ديمقراطية السهل الممتنع بعدما تشوهت صورة الدايمقراطية الملهمة وكثرت البقع السوداء في ثوبها الأبيض ، لذلك أمريكا قابلة للصدام والتفكك كما حدث للاتحاد السوفيتي الذي تفكك وانتهى فيه عهد الشيوعية .
أمريكا تمر بمرحلة حرجة للغاية ؛ نتيجة هذا الانقسام الحزبي والعرقي والأيديولوجي الحادّ والغير مسبوق ، فهي تذكرنا تقريبا بالحرب الأهلية الأمريكية، والصراعات الداخلية التي حدثت داخل الولايات المتحدة ، والتي ما زالت تعدّ الأكثر دموية في تاريخ الولايات المتحدة ، لذا مما يزيد الأمر سوءًا ” هو عدم وجود ساسة من العيار الثقيل في الكونجرس لاحتواء الموقف المتأزم للوصول لتهدئة والاتزان ” حيث يرى البعض أن اليسار أصبح بالفعل يهدد مستقبل أمريكا وربما العالم باعتمادهم على الغوغائيين ، فالفوضى الحالية التي يقوم بها اليسار ليست عبثاً، بل لغايات قد تأتي ثمارها رغم محاولات التنصل منها، فقد وصفتها ” نانسي بيلوسي”وبقية حزبها بالاحتجاجات السلمية ، والتي لا تُمثل الديمقراطية التي يتشدق بها اليسار بعدما وصلت إلى استخدام بعض الأساليب الملتوية وغير المشروعة لهزيمة وإقصاء المنافس ؛ نتيجة الكراهية و الإفلاس الواضحة لدى الديمقراطيين، فمن المؤكد أن لا تمر هذه الإنتخابات بسلام ، سواء فاز ترامب أو بايدن اللذان لم يقدما أي برنامج انتخابي مقنع للمواطن الأمريكي ، وكلاهما بطبيعة الحال يذهب إلى شيطنة الآخر ، ويعتمد على أخطاء واقتناص الفرص واستغلال الظروف ، وربما المناظرة للترجيح ، مما يجعلنا نقول : أن أمريكا قد تكون في مفترق طرق تاريخي في هذه الإنتخابات ، والتي تُعد من أهم الإنتخابات منذ زمن بعيد ، لذلك يصعب التنبؤ باسم الفائز رغم ترجيح الاستطلاعات حتى الآن بفوز جو بايدن ، ليبقى السؤال هل الديمقراطية الأمريكية قادرة على معالجة تشوهاتها أثناء وبعد الانتخابات ؟