المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

اقتصاد

العملات الرقمية للبنوك المركزية.. لماذا فشلت الفكرة قبل أن تولد؟

المصدر الانباء الكويتية

على عكس ما جرت عليه الأمور في السابق، أصبح مطورو العملات الرقمية مؤخرا أكثر انشغالا باستقرار السوق الذي تجنبوه باستمرار، فدوما كانت التقلبات الحادة هي عنصر الجذب الرئيسي لهذه الأصول الافتراضية والتي تغذت على ضعف ثقة المضاربين، بحسب «فايننشال تايمز» ونقلته «أرقام». ولتجنب التقلبات التي باتت شائعة في السوق، بدأت العملات الرقمية في تبني ما يعرف بالعملات المستقرة، والتي يدعمها أصول مادية موثوقة، حيث عمل على ربط قيمتها بالعملات الرسمية الصادرة تحت إشراف الحكومات، مثل الدولار واليورو وحتى اليوان الصيني.

تجربة الصين

كما أن أشهر العملات المستقرة هي العملة المقترحة من قبل «فيسبوك» والمعروفة باسم «ليبرا»، غير أن هناك نماذج مستخدمة فعليا الآن مثل «تيثر» التي تعد جزءا من أنظمة دفع (غير مرتبطة مباشرة بالعملات الرقمية) مثل «مبيسا» في كينيا و«ويشات» في الصين.

وترتبط «تيثر» حاليا بأكثر من 4 مليارات دولار من الأصول، ويمكن اعتبار صعود مثل هذه العملات مكسبا للنقود التقليدية الرسمية التي تتحكم فيها الحكومات، لكن تزايد شعبيتها يشكل تحديا أمام البنوك المركزية في ما يتعلق بالسيطرة على المعروض النقدي.

كما أن هذه المشكلة ستكون واضحة أكثر إذا تم تدعيم العملات المستقرة بأصول آمنة مثل السندات الحكومية بدلا من الودائع النقدية، وقد ألزمت بعض البنوك المركزية مثل بنك الشعب الصيني الجهات المصدرة غير المصرفية (ويشات) بالاحتفاظ بالنقد وليس السندات في خزائن المصرف المركزي لا المؤسسات الخاصة.

ويدرس محافظو البنوك المركزية الأخرى إصدار عملاتهم الرقمية الخاصة، إذ يعتقدون أن نمو العملات المستقرة يعكس فجوة في السوق ناتجة عن فشل القطاع المصرفي الرسمي في تلبية الطلب على أنظمة الدفع عبر الحدود منخفضة التكاليف وغير الاحتكارية.

ونظرا لأن المصارف لا تتجه إلى فعل ذلك، فهناك نظرية تقول إن على البنوك المركزية ملء الفراغ بنفسها، لإبطاء نمو المنافسة غير المصرفية، عن طريق إصدار عملات رقمية لعامة الناس، وهو أمر سهل كونها بالفعل تقدم خدمات تسوية رقمية عالية الكفاءة للبنوك التي تشرف عليها.

للمقترح فوائد.. ومخاطر أيضاً

ويقول المتحمسون لمقترح العملات الرقمية التابعة للبنوك المركزية، إن هناك مكاسب أخرى لطرح هذه العملات، حيث ستسمح لصناع السياسة بفرض فائدة سالبة على نطاق واسع للغاية عند الضرورة، وتزود السوق بأصول آمنة غير محدودة.

ومع ذلك، هناك أسباب وجيهة وراء التحول التاريخي لهذه المؤسسات بعيدا عن خدمات التجزئة، وتركيزها على معاملات الجملة مع البنوك والمؤسسات الأصغر الخاضعة لإشرافها، وأحد أهم هذه الأسباب هو المخاوف المتعلقة بالمنافسة والخصوصية.

وهناك خطر حقيقي من جعل العملات الرقمية التابعة للبنوك المركزية الأمر أكثر صعوبة للمصارف فيما يتعلق بجذب الأموال، الأمر الذي قد يقوض قدرتها على منح القروض، وهذا بدوره يضغط على البنوك المركزية لدخول سوق الإقراض المباشر لسد هذه الفجوة.

وحتى بعيدا عن مسألة المنافسة، يجب أن تكون البنوك المركزية حذرة من الانتقال إلى تجارة التجزئة مجددا، فتوفير خدمات جيدة النوعية تتوافق مع المعايير التنظيمية الحديثة في ظل بيئة تنافسية للغاية ليس بالمهمة السهلة، وببساطة فهذه المؤسسات غير جاهزة للانغماس في سباق تحقيق الربح والتعامل مع العملاء.

ما ينبغي فعله؟

أن إصدار مثل هذه العملات سيجبر البنوك المركزية على التعامل مع كل شيء بدءا من الشكاوى العامة واستفسارات المستخدمين إلى إجراءات التعرف على العملاء والكشف عن محاولات غسيل الأموال، ونظرا لافتقارها لهذه الخبرة فليس هناك ما يضمن نجاح المهمة بتكلفة أقل وكفاءة أكبر من المصارف العادية.

وستثير عملات البنوك المركزية الرقمية جدلا كبيرا بشأن الخصوصية، فإذا جعلت المعاملات خاصة حقا، ستكون هناك شبهات تورط وربما تواطؤ في تسهيل غسيل الأموال، لذلك لا يمكن ضمان مسألة الخصوصية، في حين أن مؤسسة مثل «فيسبوك» قد لا تضمن خصوصية كاملة لكنها لا تعتبر جزءا من الدولة على الأقل.

وبدلا من الاندفاع للتنافس مع «فيسبوك» و«تيثر» أو حظرها تماما، سيكون من الأفضل للبنوك المركزية اتباع نموذج بنك الشعب الصيني، المتمثل في قبول نظام الدفع الرقمي مع التركيز على ما يجعله يمضي بأحسن شكل أو ما يعرف بـ «إدارة الاستقرار».

ثم إذا أصبحت العملات المستقرة ذات شعبية لدرجة أن الحجم الهائل لاحتياطياتها بدأ في تقويض التمويل المقدم للقروض، يكون للبنوك المركزية حق التدخل، والبدء مثلا في فرض رسوم على هذه الاحتياطيات، مع السماح للقوى التنافسية بتحديد مقدار ما سيتحمله العملاء من رسوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى