المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار مثبتة

العالم أقرب ما يكون إلى حرب نووية

التنبؤات بنهاية العالم موجودة منذ زمن طويل، لكن الكوريين في الشطر الشمالي والجنوبي هم أقرب ما يكونون إلى ذلك، ففي كل شهرين تنطلق صفارات الإنذار في سيئول، وتتوقف حركة السيارات والحافلات في ساعة معينة عند الظهر، ويتخذ مسؤولو الدفاع المدني مواقعهم عند التقاطعات المزدحمة ويبدأ متطوعون يرتدون شارات صفراء بإرشاد المشاة إلى أقرب ملجأ، حيث تنتشر المئات من هذه الملاجئ في العاصمة الكورية الجنوبية. والجيش كذلك في أقصى درجات الاستعداد، والطرق السريعة بين سيئول والحدود (مع كوريا الشمالية) تعج بأبراج المراقبة التي لا يفصل الواحد منها عن الآخر سوى بضعة كيلو مترات، والتي تشكل حواجز ثقيلة من الأسمنت فوق الطرقات، وإذا ما اندلعت الحرب فسوف يتم نسف هذه الحواجز بالمتفجرات لكي تسقط على الطرق من أجل إغلاقها أمام المهاجمين، والشواطئ كذلك مجهزة بالدبابات المفخخة والأسلاك الشائكة، وكل ذلك من أجل حماية الشطر الجنوبي من شبه القارة الكورية من الشطر الشمالي الفقير، ولكن الذي يمتلك أخطر أسلحة الدمار الشامل.
فالمنشآت في كوريا الجنوبية تأخذ طابعاً دفاعياً، ولكن لدى الجش الكوري الجنوبي خططاً هجومية أيضاً تحت مسمى «الرد العقابي الماحق لكوريا» المعروف اختصاراً ب‍ KMPR، وتحتفظ سيئول بتفاصيل هذه الخطط سراً، لكن المشاهد الأولى للحرب الكورية الجديدة ستبدو بشكل أو بآخر، كالآتي: قبل أن تتمكن كوريا الشمالية من شن الهجوم، سوف تسعى كوريا الجنوبية إلى تدمير منصات إطلاق الصواريخ للعدو باستخدام صواريخ كروز، بينما تتولى الدفاعات الجوية اسقاط الصواريخ التي أطلقتها كوريا الشمالية مستهل الهجوم. وقبل أن تتمكن بيونغ يانغ من حشد قواتها البرية، هناك خطة كورية جنوبية لاستخدام القوات الخاصة في اختراق العاصمة الكورية الشمالية، وتصفية الدكتاتور كيم جونغ اون.
حين تحدث وزير الدفاع الكوري الجنوبي علانية عن هذه الخطط في شهر سبتمبر الماضي، أثار حديثه اهتمام الخبراء العسكريين المختصين بالشؤون الآسيوية. والآن، فإن السيناريوهات المذكورة تبدو حقيقية بشكل يثير القلق. وقد نشرت صحيفة غلوبال تايمز الصينية المقربة من الحكومة تقريراً أخيراً، قالت فيه إن شبه الجزيرة الكورية لم تكن يوماً أقرب مما هي عليه اليوم لاندلاع نزاع مسلح منذ عام 2006.

مزيج خطير
ومن منظور عالمي، فإن الوضع غاية في الحساسية. فهناك في بيونغ يانغ دكتاتور يبدو مستعداً لشن الحرب من أجل ضمان بقاء نظام حكمه، وهي الحرب التي قد تؤدي إلى فناء مئات الآلاف – إن لم يكن الملايين – من البشر.
وفي الطرف الآخر، هناك دونالد ترامب الرئيس المنتخب ديموقراطياً، الذي لا يفهم كثيراً في شؤون العالم، ويمتلك إضافة إلى الأزرار النووية، حساباً على موقع تويتر يستخدمه بشكل متهور. وكذلك، أظهر – في سوريا وأفغانستان – أنه لا يتورع عن استخدام القنابل الهائلة وصواريخ كروز.
وهكذا، فإن الدكتاتور الكوري الشمالي كيم جونغ اون، ليس العامل الوحيد لعدم الاستقرار في هذا النزاع، بل هناك زعيم البيت الأبيض، فهاتان الشخصيتان معاً تشكلان مزيجاً خطيراً على مستوى عالمي.

تهديد مباشر
ففي ليلة رأس السنة الميلادية وقبل تنصيب ترامب بأسابيع، أعلن كيم قد تجرى تجربة على الصواريخ البالستية التي يصل مداها إلى أميركا الشمالية، وهو الأمر الذي أُعتبر التهديد المباشر الأوضح بشن هجوم على الولايات المتحدة الذي يصدر عن نظام كيم.
ورّد عليه ترامب عبر تغريدة قائلاً: «هذا لن يحدث»، وبذلك رسم خطاً أحمر لم يسبق لسلفه باراك أوباما أن رسمه مع كوريا الشمالية.
فترامب يرى في الترسانة النووية لكوريا الشمالية باعتبارها الخطر الأكبر الذي يواجه الأمن القومي للولايات المتحدة، ولكن المشكلة أنه ليس فقط عديم الخبرة في شؤون السياسة الخارجية، بل أحياناً يتصرف على نحو أخرق، فعلى سبيل المثال، أعلن قبل أسابيع أنه أمر إحدى حاملات الطائرات الأميركية بالتوجه نحو المياه الكورية في تحذير صريح لبيونغ يانغ، وهذه الحادثة تظهر بشكل واضح، كيف أن الأمور قد تتجه إلى الأسوأ في ظل قيادة ترامب.

موقف متشدد
فبعد كثير من الإخفاقات والهزائم التي مُني بها في المراحل الأولى من رئاسته، فإن ترامب في أمسّ الحاجة الآن، لأي نجاح ليقدمه لأنصاره خلال المئة يوم الأولى من رئاسته.
واتخاذ موقف متشدد من كوريا الشمالية يجعله يبدو ـ ولو بشكل غير حقيقي ـ أن لديه التصميم، كما يأمل أن يبدو كقائد قادر على التصدي للدكتاتور الكوري الشمالي، فحين أطلق الصواريخ على القاعدة الجوية السورية الشهر الماضي، نال الثناء من المعلّقين الذين لا يتوقفون عن انتقاده، ولأن ترامب يهوى التأييد العام، فليس من الصعب تخيُّل النتائج التي قد يستخلصها من ذلك.
وهكذا، فإن برامج التسلح الكورية الشمالية تحت زعامة كيم، في ظل رئاسة ترامب تعني أن المواجهة بين البلدين دخلت مرحلة جديدة لا يمكن التنبؤ بمداها، فلم يسبق أن وصل التصعيد إلى هذا المستوى من قبل، والأسوأ من ذلك أن أي حرب في شبه القارة الكورية قد تتحول بسرعة إلى نزاع نووي وقد تشترك فيه قوى إقليمية كثيرة ويؤدي في النهاية، إلى نزوح لاجئين بأعداد أكبر بكثير مما هو الحال في النزاع في سوريا.

رسالة مختلفة
وقد برز مؤخراً، المزيد من المؤشرات على تنامي حدة التوتر بين البلدين، فقد توجهت الغواصة النووية «يو اس اس ميتشيغان» إلى سواحل كوريا الجنوبية. ومن المؤكد أن بيونغ يانغ ستفهم رسالة مختلفة عما أعلنه المسؤولون الأميركيون من أنها زيارة روتينية، لا سيما أنها تتزامن مع ذكرى تأسيس الجيش الكوري الشمالي، ومع المناورات التي تجريها بيونغ يانغ بالذخيرة الحية. وقد دعا ترامب – في خطوة غير عادية – أعضاء مجلس الشيوخ إلى البيت الأبيض الأسبوع الماضي لوضعهم في صورة التطورات مع كوريا الشمالية.
يعيش في شبه الجزيرة الكورية 75 مليون نسمة، منهم 25 مليوناً في الشطر الشمالي، وفيها اثنان من أقوى ثلاثة اقتصادات في العالم (الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية)، أي النزاع الراهن يشمل أقوى ثلاثة اقتصادات عالمية، أي أن أي حرب سيكون لها، ليس فقط آثار إنسانية مدمرة، بل عواقب اقتصادية هائلة كذلك، حتى أن وزارة الخارجية الروسية أعربت مؤخراً عن قلقها حيال الوضع.
فهل لهذا القلق ما يبرره؟ وهل العالم على أعتاب حرب نووية لأول مرة منذ أزمة الصواريخ الكوبية؟ وهل أصبح النزاع العسكري حتمياً ولا يمكن تفاديه بعد سنوات من الجهود الدبلوماسية الفاشلة مع كوريا الشمالية لوقف برنامجها النووي؟

اختراق نووي
يقول روبرت ليتواك الخبير في شؤون انتشار أسلحة الدمار الشامل في مركز ويدرو ويلسون الدولي في واشنطن، ان كوريا الشمالية تقف الآن، على حافة اختراق نووي.
فالنظام يسعى لتطوير مئة رأس نووي على مدى السنوات الثلاث المقبلة يمكن حملها بواسطة صواريخ بالستية. ويضيف انه «إذا نجح في ذلك، فان ميدان اللعب سوف يتغير بشكل جوهري»، ويرى ليتواك ان الأمور «تتجه ببطء نحو أزمة شبيهة بأزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، مع فارق واحد هو ان كوريا النووية «دولة فاشلة» تحكمها سلالة واحدة.
لقد أجرت بيونغ يانغ خلال العام الحالي فقط، أربع تجارب صاروخية، وكل تجربة كانت تقترن مع حملة إعلامية ضد الولايات المتحدة، كان آخرها التلويح بأن الولايات المتحدة إذا استمرت في «منطق العصابات» الذي تنتهجه، والذي تمنح بموجبه لنفسها الحق لغزو الدول ذات السيادة، فإن «حرباً نووية قد تنشب في أية لحظة»، كما هدد نائب السفير الكوري الشمالي لدى الأمم المتحدة مؤخرا، إنه تصريح مخيف، ولكن هل ينبغي أخذه على محمل الجد؟

■ دير شبيغل ■

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى