الرجل السام.. حين يُغلف السُّم بالعسل

بقلم/ د. عثمان آل عثمان
الحياة تُقابلنا بشخصيات متعددة، بعضها يُضيء دربنا، وبعضها الآخر يُخفي خلف ابتسامته سُمًّا قاتلًا. فهل سبق أن صادفتَ شخصًا يغدق عليك كلماتٍ حلوة كالعسل، ثم تكتشف لاحقًا أنها كانت سُمًّا بطيء المفعول؟ هؤلاء هم “الرجال السامون”، أولئك الذين يتقنون فنّ التلبّس بلباس الصداقة، بينما ينفثون في الأرواح غازاتٍ سامة من الشك، والحيرة، والأذى.
الرجل السام ليس مجرد شخص سيّئ الطباع، بل هو ظاهرة نفسية واجتماعية خطيرة. إنه بارع في تمثيل دور “الطيّب المُحب”، لكنه في الحقيقة يعيش على فتات أخطاء الآخرين، ويحوّل زلاتهم إلى وقود لأزماته الداخلية. تجده: مُزوِّرًا للحقائق؛ يحرّف الكلام، ويشوّه النوايا، ويصنع من الحبة قبة. لاعبًا بالعواطف؛ يدفعك للشعور بالذنب، ثم يظهر في دور “المنقذ”. ضحية دائمة؛ إذا واجهته، انقلب إلى ضحية يُرثى لها.
بمهارة الواعظ، يضع سُمّه في نصيحة مزيفة يغلّفها بعبارة: “أقولها لمصلحتك!”، بينما هدفه التحقير. وقد يفرط في المجاملة قائلًا: “أنت مثالي!”، لكنه في قرارة نفسه يشكّك فيك سرًّا. أما الدعابة السوداء، فهي وسيلته لإيصال الإهانة مغلفة بابتسامة وهو يقول: “كنت أمزح!”، بينما الجرح قد وقع.
ومهما أتقن هذا الشخص تزيين صورته، فإن حقيقته لا تخفى على ربّ العالمين سبحانه وتعالى، الذي سيحاسبه على كل كلمة خبيثة وأذًى متعمّد. لكن الباب مفتوح للتوبة، كما قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53]. فلو تحوّل من “سامٍّ” إلى نبتة طيبة، لسبقت رحمة الله غضبه، وبدّل حاله إلى أحسن حال.
ولا بد في التعامل معه من الوعي، فلا تنخدع بلمعان سطحه، فالسُّم يُخزَّن في القاع. والحزم، بوضع حدود واضحة لا يُسمح بتجاوزها. والتطهير، بالجرأة في استبعاد السموم من حياتك، فـ”النفس كالزجاجة، إذا دخلها العكر لم يخرج منها إلا بكسرها” كما قال ابن القيم.
الحياة أقصر من أن تُستهلك في فكّ شفرات المتلاعبين. احرص على أن تكون دائرتك مُفلترةً بالقلوب النقية، وابتعد عن كلّ من يجعل من العسل غطاءً لسمّه. فكما قال الحكيم: “ليس كل ما يلمع ذهبًا، وليس كل ما يُحلَّى عسلًا!” : قال الشاعر الجاهلي زُهَيْرُ بْنُ أبي سُلْمَى:
ومَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مِنْ خَلِيقَةٍ
وإنْ خَالَها تَخْفَى عَلَى النَّاسِ تُعْلَمِ
المعنى: مهما حَاوَلَ المُتَدَثِّرُ إخفاءَ ما في ضميرِه فإنه سيَظهَرُ لا مَحَالَة.
: قالت العرب:
” ما فيك يظهر على فيك، فلا تُخرج من فيك
إلا أجمل ما فيك”
: مَهْمَا تُبْطِنْ تُظْهِرْهُ الأيامُ ، وموعدنا غدا بإذن الله تعالى حول مقال المرأة السامّة انتظرني ربي يسعدك ويحفظك