«الديوانية».. تراث كويتي يعبر الحضارة

أكدت دراسة للباحث البريطاني في الشأن الكويتي والخليجي، كليمينس تشاي، أن الديوانية، كنموذج عن التراث والتقليد الكويتي القديم، استطاعت الصمود أمام التطورات الحديثة في الكويت.
وبينت الدراسة، التي حملت عنوان «الديوانية التقليدية في الكويت الحديثة»، التي نشرت بمجلةjournal of arabian studies، أن من الواضح قدرة الديوانية ككيان على التكيّف، حيث إن شكلها قد يتغيّر لكن الجوهر والمضمون مستمرين كما هما، بل إنها تحوّلت في فترات زمنية مختلفة في الكويت لتتناسب مع مقتضيات تقلّب الأحداث، موضحة أن الديوانية الكويتية يمكن أن تؤخذ كمثال على كيفية استمرار قيم المجتمع حتى في سياق التطور والحضارة.
وأشارت الدراسة إلى أن التحديث على الديوانية طال مظهرها المادي فقط، فأصبحت تظهر صورة الثراء الكويتي الحديث في شكلها الخارجي، مبينة أن الديوانية توفر عنصرين أساسيين هما المساحة لتجمّع الرجال، فضلا عن مكان لتكوين العلاقات الاجتماعية.
وأضافت أن السلوك الاجتماعي المنتظم في زيارة الدواوين منتجه اجتماعي، ويصبح مع الوقت جزءاً من اللاوعي دون افتراض هدف معين في نهاية هذه الزيارات.
ولفتت الدراسة إلى أن الديوانية، وبكونها فضاء مترابطا وممارسة اجتماعية، تعتبر من العادات التي تساهم في إعادة إنتاج القيم الثقافية عبر الأجيال المختلفة، فضلا عن تأكيد هذه العادات على احترام بعض المعايير، التي تبدأ باللباس إلى السلوك، وتشكّل ما يمكن تسميته رأس المال الثقافي للأجيال المختلفة، حيث يتم غرس هذه المعايير في الديوانيات.
المجتمعات الافتراضية
وأشارت الدراسة إلى أنه بالرغم من ظهور وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، فإن الديوانية لا تزال تحتفظ بأهميتها، بدلا من المجتمعات الافتراضية التي أنشأتها هذه الوسائل الجديدة.
وبينت الدراسة قدرة الديوانية على التكيّف وفق مقتضيات الساحة المحلية، ففي الأوقات التي تشتد بها التعبئة السياسية، فإن التركيز في المواضيع المطروحة من خلال الديوانيات ينتقل من الجانب الثقافي إلى الجانب الاجتماعي، من أجل تحقيق الأهداف السياسية، مما يعني تغييرا في وظائف الديوانية وفقا لمتغيرات الساحة.
وأوضحت الدراسة أن بعض الكتابات حول الديوانية الكويتية ركزت على دورها في الحياة السياسية، ولم تتطرق إلى دورها في استمرار التماسك الاجتماعي، لافتة إلى أن الديوانية لعبت دور المساحة المضادة لخلق بيئة للنقاشات السياسية والانتقاد السياسي، خاصة في ظل استخدامها من حركات معارضة لاستيعاب آراء متنوعة.
وذكرت أن الديوانية مستثناة من قانون التجمعات، حيث لا يشترط فيها أخذ إذن للتجمع، معتبرة الديوانية مكانا للتسييس، خاصة بعد تشجيع الحركات السياسية على توليد الاندماج الاجتماعي، فضلا عن إنشاء نساء كويتيات لديوانيات خاصة بهن في الكويت الحديثة.
المجتمع الكويتي.. أسرة واحدة
أشارت الدراسة إلى إمكانية اعتبار المجتمع الكويتي أسرة واحدة، مرجعة الوجود المستمر للديوانية إلى ترابط الأسر المختلفة، بدءاً من الأسرة الحاكمة وصولا إلى الأسر المتوسطة في البلاد، مبينة أن اعتبار الأمير والدا لشعبه، خاصة في المصطلحات التي يستخدمها الأطفال، يؤكد أن المجتمع الكويتي يعتبر مترابطا.
جسر بين الأجيال
اعتبرت الدراسة أن الديوانية بمنزلة جسر لتربط الأجيال العمرية المختلفة بعضها ببعض، فإن الأطفال الذكور غالبا ما يحضرون الدواوين مع آبائهم، والأجداد يلتقون بالأصغر سنا في محيط الديوانية، مما يمكن اعتباره نوعاً من نقل الثروة الثقافية بين الأجيال.