
تضع أم أحمد القِدر الكبير على الموقد، وقِدراً آخر بالانتظار، في باحة منزلها، لإعداد طعام يكفي لعدة عائلات، وبما يعادل أكثر من عشرة أضعاف عائلتها المكونة من خمسة أفراد فقط، فيما تبدي استعدادها لإضافة كميات أخرى، حسب مقتضيات حاجة «التكافل الاجتماعي»، الذي أوجدته ظروف تفشي وباء «كورونا»، وفرض حظر التجوال، وهي لا تعتقد أنها تقدم شيئاً جديداً، لأن ما تقوم به صفة متأصلة عند العراقيين.
تسابق لفعل الخير
وليست «أم أحمد» متفردة في هذا العمل التطوعي، فالنساء في الحي الذي تقطنه، وفي معظم أنحاء العراق، يتسابقن لفعل الخير، ويقدمن أفضل وأجود ما لديهن لمساعدة المحتاجين.
وتقول أم أحمد، إن عائلات كثيرة جداً في العراق، تعتمد في معيشتها على الأجور اليومية التي يتقاضاها بعض أفرادها، وفي حالة حظر التجوال، لا وجود للعمل، ولا وجود للدخل اليومي، وذلك يعني تعريض نسبة كبيرة جداً من المواطنين إلى خطر المجاعة.
وتضيف أن الظروف الاجتماعية لا تسمح باستضافة العائلات المتعففة، إضافة إلى أن التعليمات الخاصة بمكافحة وباء «كورونا»، تحظر التجمعات، ونحن نضاعف فعل الخير، من خلال التزامنا الصارم بتعليمات الوقاية الصحية، لذا، ندعو العائلات الفقيرة التي نعرفها، لجلب الأوعية النظيفة والمعقمة، وأخذ احتياجاتها الغذائية، وبما يزيد عليها.
وتوضح أم أحمد أن العائلات الأخرى في منطقتها، وسواها، تفعل نفس الشيء، إلا أنها اتفقت مع مجموعة من صاحباتها على التنويع في الأطعمة، واعتبار من يأتون في طلبها ضيوفاً كراماً، وليسوا ذوي حاجة، بسبب الظروف الصعبة.
إكرام المدعوين
واعتادت العائلات المتمكنة، على تقديم وجبات الأرز والخبز والحساء، وما يتيسر لدى تلك العوائل لـ «المدعوين»، وتصر السيدة أم أحمد على هذه التسمية، لأن أغلب العوائل المتعففة، تفضل الموت جوعاً على طلب الأكل من قدور الآخرين، لذلك، يتم توجيه الدعوات لها، كاستضافة، وليس كصدقة، وفي ذلك خير جزاء، ويشعر المقابل بكرامته، واعتزاز الآخرين به.
وتؤكد أم أحمد، أو «أم الخير»، أن بعض الجهات الأمنية، فهمت قرار حظر التجوال بشكل خاطئ، في بداية الأمر، وقامت بغلق محال المواد الغذائية وأسواق المواد المنزلية، في بعض المناطق، ما دفع زوجها وعدداً من الوجهاء، إلى إبلاغ الجهات المسؤولة بهذا الخطأ، وتم تلافيه بسرعة، إلا أن مشكلة مئات الآلاف من العاملين بأجور يومية، والذين يعتمدون في معيشتهم على الجهد اليومي، تظل قائمة، وبانتظار ما تقرره الحكومة في هذا الشأن.