التأمينات: سن التقاعد.. لاستمرار صرف المعاشات
وصفت المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بعض الاقتراحات بقوانين بإلغاء سن التقاعد أو تخفيضها أو تعديل بعض الأحكام المتعلقة بأنها «خطوة غير مبررة في الرجوع إلى الوراء»، مؤكدة أنها «تهدد قدرة الصناديق على الاستمرار في أداء التزاماتها وتستنزف أموالها في ضوء الدراسات المتخصصة والمحايدة التي أكدت على وجوب تحديد سن لا يجوز صرف المعاش التقاعدي قبلها».
واستعرضت المؤسسة في دراسة، حصلت القبس على نسخة منها، أسباب عدم الموافقة على الاقتراحات والتكلفة المالية المترتبة على تلك الاقتراحات.
وقالت التأمينات: «في الوقت الذي تقترب فيه المؤسسة من الوصول إلى السن المستهدفة لمعالجة نظام التقاعد بها في سنة 2020 تعرض بين فترة وأخرى بعض الاقتراحات بقوانين بإلغاء سن التقاعد أو تخفيضها أو تعديل بعض الأحكام المتعلقة بها على نحو يتعارض مع المقرر بالأحكام الحالية والمستهدف منها»، مشيرة إلى أنه «يتم تبرير تقديم هذه الاقتراحات بأنها تساهم في خلق فرص عمل جديدة وحل مشكلة البطالة، وتمكن المرأة من التفرغ لرعاية أسرتها».
ولفتت إلى أن «صناديق التقاعد في العالم بوجه عام تتجه إلى رفع سن التقاعد لمواجهة التحديات أمام الصناديق في الاستمرار بأداء التزاماتها في ظل ارتفاع متوسط الأعمار»، مستغربة في أن تقرر أحكام تتضمن تعديلات جوهرية من دون دراسات متخصصة وذلك في عكس هذا الاتجاه، ودون الوقوف على تبعاتها وآثارها».
الآثار المالية
وكشفت الدراسة التي أعدتها المؤسسة في شأن تلك الاقتراحات وآثارها المالية أن التكلفة المترتبة على هذه الاقتراحات في حدود 3 مليارات و865 مليون دينار، وأكدت على أن تحديد سن لا يجوز التقاعد قبلها على النحو المقرر بالأحكام الحالية في نظام التأمينات الاجتماعية تتضمن قدراً مناسباً من التيسيرات التي تلبي متطلبات التدرج في التطبيق والاحتياجات الخاصة لبعض الفئات».
ورأت أن هذا التحديد هو ضرورة أوجبتها نتائج تقارير فحص المركز المالي السابقة التي أكدت وجود عجز اكتواري متزايد نتيجة عدم تحديد سن للتقاعد يستلزم الأمر معالجته.
رأي الخبراء
ووفق المؤسسة فقد اعتبر الخبراء أن تحديد السن المذكورة خطوة إصلاحية كانت مطلوبة لإصلاح الأوضاع وتفادي العجز المالي الذي كان من الممكن أن ينشأ في المستقبل، وأن ترك الأمور دون إصلاح من شأنه أن يكون من المطلوب تحديد أعمار متقدمة جداً وزيادة الاشتراكات وتخفيض المعاشات التقاعدية بشكل ملموس.
تحديد السن
واشارت المؤسسة إلى أنه في ضوء ذلك، وانطلاقاً من مسؤوليتها عن صناديق التأمينات الاجتماعية، فإن تحديد سن للتقاعد أصبح بالنسبة إليها واجباً يحتمه ضمان استمرار الصناديق في أداء رسالتها وتحقيق أهدافها بما يحقق المصلحة العامة، لا تملك قبله أي خيار»، مشددة على أنه «من غير الوارد بالنسبة للمؤسسة أن تتفق مع أي اقتراحات تتجه نحو أي تعديلات تتعلق بالسن المذكورة على نحو يتعارض مع المستهدف من تقريرها، لما في ذلك من هدم أساس فني أصبح يقوم عليه نظام التأمينات الاجتماعية كما في معظم دول العالم، ورجوعاً غير مبرر عن خطوات إصلاحية قطعت فيها المؤسسة شوطاً ليس بالقصير حتى الوصول إلى المستهدف في عام 2020، راعت فيها القوانين المحددة للسن أوضاع المؤمن عليهم والتدرج في السن المطلوبة».
غياب الدراسات المتخصصة
لفتت المؤسسة إلى أنه يفترض في أي تعديلات جوهرية أن تستند إلى دراسات فنية متخصصة تراعي طبيعته وأهدافه والغرض منه، وقد جاءت كل الاقتراحات بقوانين المعروضة لتعديل أحكام التقاعد غير مستندة إلى دراسات متخصصة في بيان أثرها المالي على صناديق المؤسسة وعلى الخزانة العامة التي تلتزم طبقاً للقانون بسداد أي عجز فيها، وما لذلك من تأثير أيضاً على الأوضاع المالية للدولة التي تتجه نحو ضبط الإنفاق وترشيده وعدم تحميله بأعباء غير مبررة.
ورأت أنه لا يقبل في هذا الصدد التعذر بأن التقاعد يوفر على الدولة مرتبات العاملين بها، إذ أنه فضلاً عن أن ذلك ليس من أغراض التأمينات الاجتماعية ولا يجوز أن تستخدم أموالها للقيام بهذا الدور، فإن التوفير – إن قبل – لن يتحقق لما يترتب على التقاعد المبكر باليقين من عجز سيعود على الدولة تحمل تكلفته.
فرص العمل
أشارت المؤسسة إلى أن خلق فرص العمل لا يكون بإجراء تعديلات على أنظمة التأمينات الاجتماعية، وإنما من خلال تعزيز نمو القطاع الخاص، وزيادة فرص العمل به للمواطنين ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والحد من توظيف العمالة الوافدة في القطاع الحكومي في وظائف يمكن أن يشغلها المواطنون، إضافة إلى زيادة الاستثمار في المشروعات الصناعية والمالية ومشروعات البنية التحتية وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص في تنفيذ المشروعات التنموية وغير ذلك مما يخلق فرصاً جديدة للمواطنين في هذا الشأن.
أسباب الرفض
عرضت المؤسسة ملخصاً بأسباب عدم الموافقة على الاقتراحات بقوانين المشار إليها على النحو التالي:
1- من شأن المقترح ترتيب أعباء إضافية لا قدرة لصندوق الباب الثالث على تحملها، إضافة إلى تأثر معظم الصناديق الباقية بشكل جوهري.
2- سن التقاعد المستهدفة حسب الأحكام الحالية، وهي 50 سنة للمرأة و55 للرجل، تقل عن السن المحددة في كثير من أنظمة التأمينات الاجتماعية في العالم التي تحدد سناً لا تقل عن 55، وعلى الأخص في معظم دول الخليج المشابهة في الظروف.
3- معظم دول العالم تتجه نحو زيادة سن التقاعد لتلافي العجوزات في صناديقها، والتي تشكل الزيادة المتوقعة في الأعمار سبباً رئيسياً فيها بسبب تحسن الأحوال الصحية وما يترتب على ذلك من زيادة في مدد صرف المعاشات وعدم التناسب بين مقدار هذه المعاشات ومدتها وبين مدة أداء الاشتراكات ومقدارها.
4- إلغاء السن أو تخفيضها يعد رجوعاً غير مبرر عما تم تقريره من أحكام لمعالجة وتلافي العجز في ضوء الدراسات المتخصصة والمحايدة التي أكدت أن تحديد السن كان أمراً مطلوباً لإصلاح النظام، وكذا في ضوء ما تتجه إليه معظم أنظمة العالم لزيادة سن التقاعد كإحدى وسائل ضمان الصناديق للاستمرار بالوفاء بالتزاماتها في ظل التحديات التي تواجهها في هذا الخصوص وارتفاع متوسط الأعمار بشكل عام، والكويت ليست خارج هذا النطاق، ومن المستغرب أن تقرر أحكام مغايرة لذلك.
5- إلغاء السن يترتب عليه بالضرورة سحب بعض الميزات التأمينية (تحديد أعمار متقدمة مستقبلاً أو تخفيض المعاشات التقاعدية) أو زيادة الاشتراكات، كل ذلك أو بعضه، وقد تمت الإشارة إلى ذلك في تقارير اكتوارية سابقة.
6- التقاعد المبكر يترتب عليه انسحاب الخبرات الوطنية مبكراً من العمل، وإهدار ما صرف عليها من تدريب وتأهيل، والاستعانة بغير المواطنين في بعض التخصصات بما يؤثر في التركيبة السكانية وتركيبة قوة العمل ويتعارض مع خطة التنمية وسياسة الإحلال.
7- المرأة تشكل ما نسبته %54 تقريباً من قوة العمل، والسماح بتقاعدها مبكراً، يعني تعطيل نصف طاقات العمل، وبالأخذ في الاعتبار أن كثيراً من الأعمال والوظائف تمثل المرأة نسبة غير بسيطة من شاغليها، كما أن عدداً منها يعاني من محدودية شاغليها من الكويتيين.
8- دور المؤسسة هو توفير خدمات التأمين الاجتماعي ولا يجوز النظر إليها كوسيلة لتوفير فرص عمل، وتحميلها بأعباء إضافية لتحقيق ما ليس مستهدفاً من أغراضها.
9- الأصل في نظام التأمينات الاجتماعية الذي عهد للمؤسسة بتنفيذه هو تغطية المؤمن عليهم ضد أخطار الشيخوخة والعجز والمرض والوفاة، وقد أفصحت أحكام هذا النظام عن ذلك بشكل صريح وأوضحت المذكرة الإيضاحية الهدف من النظام بتوفير المعاشات ((لأفراد المجتمع الكويتي في شيخوختهم أو عجزهم أو مرضهم…..)) فضلا عن عدم اختصاص النظام في تحقيق غير أهدافه كما سبق بيانه، فإنه لا يمكن القول إن السن الحالية وهي تتراوح بين 42 و47 للمرأة و52 للرجل هي سن شيخوخة تحول دون الاستمرار بالعمل والقدرة على القيام بمتطلباته، بل على العكس من ذلك فإنه ينظر إليها على أنها مرحلة اكتمال الخبرة ونقلها، وهو أمر متحقق كذلك في السن المستهدفة وهي 50 للمرأة و55 للذكور والتي لا تعد أيضاً سن شيخوخة مع ارتفاع متوسط الأعمار والتقدم في الطب والعلوم المتصلة به وتطور الرعاية الصحية.
10- تمكين المرأة من رعاية أسرتها متحقق بالفعل بالتشريعات القائمة والوسائل المتاحة كقانون التأمينات الاجتماعية وقانون الخدمة المدنية وقانون حقوق الطفل وحقوق الأشخاص من ذوي الإعاقة وذلك من خلال ما هو مقرر من حقوق تحقق هذا الغرض تقديم تيسيرات في التقاعد (المعاش المخفض / رعاية معاق) ــ إجازات الأمومة ومرافقة الطفل المريض ورعاية الأسرة ــ تخفيض ساعات العمل في بعض الحالات ــ توفير فرص التعليم بسن مبكرة.
11- من المهم الإشارة إلى أنه ليس صحيحاً ما ورد في المذكرات الإيضاحية لبعض الاقتراحات من أن تحديد السن كان نتيجة إجراءات التقشف بسبب التدهور في أسعار النفط، وإنما هو ضرورة أوجبتها نتائج الفحوص الاكتوارية كما سبق بيانه.