الإرهاب يوسع الانقسام بين كاتالونيا ومدريد

الإرهاب عادة ما يؤدي الى توحيد البلاد، ولو في الأمد القصير، على الأقل. لكن يبدو أن ذلك ليس هو حال أسبانيا في أعقاب الهجوم الإرهابي الذي وقع في مدينة برشلونة والذي أسفر عن مقتل 15 شخصًا. فبدلاً من ذلك، يبدو أن الهجوم زاد تدهور العلاقات بين أسبانيا وإقليم كاتالونيا الذي يُعد لإجراء استفتاء على الانفصال عن أسبانيا في الأول من أكتوبر المقبل.
لقد وجدت السلطات الكاتالونية الثناء، على نطاق واسع، سواء أداخل أسبانيا أم على الصعيد الدولي، لطريقة تعاملها مع الهجوم الإرهابي الجديد. لكن، واجه قادة الإقليم المؤيدون للاستقلال اتهامات بتسييس المأساة، وارتقوا إلى صدارة المشهد ليقولوا للعالم إن كاتالونيا يمكنها التعامل مع حالات الطوارئ. وقد قابلت الأصوات المؤيدة لأسبانيا، اتهامات مماثلة. فقد نشرت صحيفة «إل بايس» التي تتخذ من مدريد مقرًا لها، في اليوم التالي للحادث، تحث فيها الكاتالونيين على التخلي عن «حلم الاستقلال» والتطلع إلى معالجة «المشاكل الحقيقية» للبلاد.
وبعيدًا عن وجهات النظر المختلفة حول ما إذا كان ينبغي لكاتالونيا البحث عن الاستقلال، وما إذا كان الوقت مناسبًا أم لا للتصويت على الانفصال، فإن الهجوم الإرهابي في برشلونة جعل المواقف أكثر تشدداً، في كلا الجانبين، مما جعل الوضع المتوتر أكثر صعوبة.
تقول كارولين غراي، الخبيرة في حركات الاستقلال في أسبانيا، في جامعة أستون في بريطانيا: «حتى في هذا الوقت الحزين، من الواضح أن مشاعر الوحدة ليست عميقة، وسعي البعض من الجانبين، لتسييس المأساة يثير الاستياء».
توسيع الانقسام
الجميع يدركون المخاطر السياسية المحدقة بالبلاد في هذه اللحظات. ففي آخر مرة كانت أسبانيا ضحية لهجوم ارهابي، في تفجيرات قطار مدريد عام 2004، انقلبت التوقعات بالنسبة لنتائج الانتخابات العامة رأساً على عقب. وقد فاز الاشتراكيون على الحزب الشعبي المحافظ الحاكم آنذاك، والذي وجّه أصابع الاتهام، في البداية لمجموعة «ايتا» الإرهابية الباسكية بدلاً من مرتكبيها الفعليين، الإرهابيين الاصوليين، الذين أرادوا الانتقام من أسبانيا لقرارها إرسال قوات إلى العراق إلى جانب القوات الأميركية.
هذه المرة أصبحت المأساة شديدة التعقيد جدًا في الجدل الراهن بين كاتالونيا والحكومة المركزية، لدرجة أن قال بعض السياسيين الراديكاليين المؤيدين للاستقلال إنهم سيقاطعون المسيرة إذا حضرها ملك أسبانيا. لكن كانت هذه الحملة مختلفة تماماً، عن مسيرة باريس بعد هجوم شارلي ابدو في مطلع عام 2015، حيث انضم قادة من أكثر من 40 دولة، قادوا حشدًا تاريخيًا تجاوز موقع الهجوم.
وقف الملك فيليب السادس ورئيس الوزراء ماريانو راخوى إلى جانب الشخصيات البارزة التي تطالب باستقلال كاتالونيا، في ساحة مركزية بالقرب من لاس رامبلاس بعد يوم من الهجوم. لكن الأمر لم يستغرق وقتاً طويلاً قبل ظهور علامات التوتر. فقد نشرت «إل بايس» افتتاحية، انتقدت فيها بشدة، السياسيين الانفصاليين في كاتالونيا، وقالت: «لقد حان الوقت للتخلص من الهراء الديموقراطي والفوضى الصارخة والألاعيب، والتكتيكات والانتهازية السياسية. لقد حان الوقت لأن يبدأ قادتنا بالعمل من أجل مصالحنا الحقيقية. فالحرب ضد الإرهاب تتطلب تنسيقًا كاملاً وتضافر الجهود بين مختلف السلطات وقوات الأمن».
وفي الوقت ذاته، عندما أعلنت الحكومة الإقليمية عن القتلى والجرحى خلال الهجوم الإرهابي، تعرضت لانتقادات قاسية للتمييز بين الضحايا الكاتالونيين والأسبان.
إثبات الجدارة
يعد الاستفتاء الذي سيجرى في الاول من اكتوبر حول ما اذا كان الكتالونيون يريدون ان يكونوا جزءا من دولة مستقلة في شكل جمهورية، غير قانوني من قبل الحكومة المركزية التي تحاول استخدام المحاكم لمنع حدوثها. لكن عدم السماح بالتصويت لم يشجع سوى الانفصاليين الكتالونيين تاريخيا.
وفي استطلاع للرأي أجري قبل الهجوم الإرهابي قال 41 في المئة من المستطلعة آراؤهم انهم يريدون استقلال كتالونيا، بينما قال 49 في المئة انهم يعارضون ذلك. وعبر 62 في المئة منهم عن رغبتهم في أن تتمتع كتالونيا بالمزيد من الحكم الذاتي الذي رفضت مدريد منحه لهم.
وتشكل كتالونيا مصدر خُمس الناتج المحلي الإجمالي لأسبانيا وتتمتع بقدر كبير من السيادة وتدير نظامها التعليمي وقوات الشرطة. لكنها لا تتمتع بذلك القدر من السلطات الذي يتمتع به اقليم الباسك، الذي لديه النظام الضريبي الخاص به. يقول داريو سوتو الذي يعمل في قطاع الفنادق في برشلونة انه «قبل عامين، لم اكن لأصوّت للانفصال عن اسبانيا، ولكن الآن، أشعر أقرب إلى القيام بذلك». ويضيف «اذا لم يسمحوا لنا بالتعبير عن ارادتنا في التصويت، فانني لا اوافق على اللجوء الى العنف».
ويؤكد إن الهجوم الإرهابي لم يفعل شيئا للتأثير في آرائه، لكن التهاون من قبل مدريد هو الذي غيّر موقفه.
وترى كريستينا كوسش، كبيرة الباحثين في صندوق مارشال الاميركي لألمانيا في بروكسل، إنه بينما يميل الإرهاب إلى تعزيز الحكومات المركزية، إلا أن هذا المنطق لا ينطبق هنا. وتضيف: «إن للإرهاب تاريخا يرجع إلى عقود من الزمن في أسبانيا، ففي البداية كانت تفجيرات منظمة «إيتا» الانفصالية، ثم تفجيرات عام 2004. ولذلك تتمتع أسبانيا بقدرة عالية في مكافحة الإرهاب».
وانتقدت بيرنات ديديو، في مقال نشرته في صحيفة «إل ناسيونال» الكتالونية، بعنوان «7 ساعات من الاستقلال»، مدريد لغيابها الأولي عن المأساة، في حين أثنت على زعماء كتالونيا.
يقول جوردي ماتاس، أستاذ العلوم السياسية في جامعة برشلونة، إن كتالونيا تعمل ببطء على بناء جهاز قادر على التعامل مع أزمات الدولة. واوضح ان «الحكومة الكتالونية تعمل منذ سنوات في صياغة هياكل الدولة اللازمة لحكم ذاتي نهائي».
شكوك
غير أن الشكوك حول التحقيق ما زالت قائمة، مع العديد من الأسئلة التي لم تجد اجابة عليها.
ويقول أنطوني غليس، مدير مركز الأمن والاستخبارات في جامعة باكنغهام، إن عددا من العناصر يشير الى ثغرة أمنية. أحد الانتقادات هو قرار المدينة عدم نصب حواجز حول لاس رامبلاس، على النحو الموصى به بعد حادثة الشاحنة في أحد أسواق برلين في شهر ديسمبر الماضي. كما أن نمو الخلايا الإرهابية على نطاق واسع في المنطقة يثير تساؤلات حول سبب عدم اكتشافها. فضلا عن التقصير في التعامل مع حادث انفجار في منزل مليء بعبوات الغاز قبل يوم واحد من هجوم برشلونة.
ومن ناحية أخرى، انتقد الكثيرون مثل ديديو، الحكومة الأسبانية لعرقلة وصول الشرطة الكتالونية إلى قواعد بيانات الأمن الأوروبية، مما أضعف تحقيقاتهم الخاصة.
ولا تظهر التوترات أي علامات على التراجع. حيث يقول البروفيسور ماتاس أن غالبية الكتالونيين يريدون إجراء استفتاء، ولم يغير الهجوم ذلك. واضاف ان «ما هو واضح هو المواجهة بين الكتالونيين والحكومات الاسبانية، حيث يعمل الطرفان في اتجاهين مختلفين تمهيدا لاستفتاء الاول من اكتوبر». وأشار الى أن الصراع سيزداد حدة خلال الأشهر المقبلة.
«كريستيان ساينس مونيتور»