إنتاجية الموظف الحكومي تراجعت 65% في رمضان

«بعد العيد إن شاء الله!» عبارة سخرية مكتوبة على صورة انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي، تشرح الواقع الذي أصبح اعتيادياً ويتكرر مع كل شهر رمضان المبارك من كل عام، وكأن هذا الشهر لا يتم احتسابه في جدول إنتاجية أعمال الجهات الحكومية والمؤسسات وحتى بعض جهات القطاع الخاص، كثيرون يتحدثون عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن الصعوبات التي يواجهونها سواء في إنجاز المهام الحياتية اليومية أو حتى الانتهاء من أي إجراءات ومعاملات ورقية خلال فترة الصيام.
ومع قدوم شهر رمضان المبارك في فصل الصيف وحرارته وارتباط الشهر الفضيل بالعطلة الصيفية للمدارس، تصبح الحياة شبه متوقفة في البلاد خلال فترة الصيام، ويصبح الإنجاز للأعمال منخفضا في كل القطاعات التي لا تضع أسسا وقوانين صارمة في بيئة أعمالها، والنتيجة التلقائية لذلك تراجع إنتاجية الموظفين وتوقف بعض الأعمال وتباطؤ في حركة العجلة الاقتصادية للبلاد.
وبينما تتأثر أعمال العديد من القطاعات سلبا نتيجة لهذا التباطؤ الحاصل في الإنتاج مع ما تشهده السوق من تراجع للأرباح، نرى أن الأسباب التي تم ذكرها جميعها مرتبطة بقدوم شهر رمضان خلال فصل الصيف، وأن الحرارة الشديدة تؤثر على الطاقة النفسية والجسمانية للموظف الذي يصبح لا رغبة له في إنجاز العمل.
وعلى الرغم من أنه لا يمكن إنكار أثر فترة فصل الصيف وصعوبته على الصائم، فإنه أيضاً لا يمكن تجاهل جانب مهم، ألا وهو أن معظم الوظائف خلال فترة الصيام داخل مكاتب مكيفة، وأجواء تعين الموظف على إنجاز عمله، ولكن تبقى هذه الأسباب مقنعة إلى حد كبير بالنسبة للعديد من العاملين في القطاعات المختلفة، وتحديدا القطاع الحكومي.
وتشير دراسة، أجرتها القبس حول عدد من الجهات الحكومية والخاصة، إلى أن نسبة تأثر الأعمال وإنجاز الموظف خلال شهر رمضان بالنسبة للموظف في القطاع الخاص هي %40 من النسبة المعتادة شهريا، وتقابلها نسبة مرتفعة تشير إلى أن أكثر من %65 هي نسبة تراجع إنجاز الموظف في القطاع الحكومي.
ولعل أبرز الأسباب الرئيسية لهذا التراجع الكبير في إنجاز الموظفين خلال شهر رمضان في الدوائر الحكومية، يعود إلى عدم وجود ضوابط محكمة تلزم الموظف بإنجاز عمله خلال ساعات الدوام الرسمية، وعدم تطبيق سياسة الخصم، وتفشي مشكلة التسرب الوظيفي، والتساهل مع هذا الأمر، أثرت سلباً في إنجاز الموظفين عموماً.
القطاع الحكومي
العديد من القطاعات الحكومية في البلاد تشهد هبوطاً في إنجازاتها وتوقفاً لأعمالها، نتجية لارتفاع نسب التهرب من الأداء الوظيفي أثناء الدوام الرسمي، أو التسرب من العمل، أو حتى زيادة الإجازات الرسمية، التي ترتفع إلى أوجها خلال شهر رمضان المبارك، فمن أبرز القطاعات التي تعاني خلال شهر الصيام نتجية التباطؤ في إنجاز المعاملات، وتحمل الموظف المناوب لضغط كبير نتيجة النقص الحاد في أعداد الموظفين المجازين في شهر رمضان، هو شؤون الجوازات والإقامات، إلى جانب مركز خدمة المواطن، وذلك بعد دراسة مسحية على عدد من الجهات الحكومية في البلاد، حيث تعاني جميعها من بطء شديد في إنجاز المعاملات نتيجة النقص الحاد في عدد الموظفين خلال شهر رمضان.
ومن جهة أخرى، يشهد القطاع الصحي تراجعاً في أداء الموظفين خلال شهر رمضان، فقد أشارت مصادر لـ القبس إلى وجود ممارسات سلبية تتم من بعض الموظفين في القطاع الصحي والطبي، سواء من الأطباء المناوبين أو الممرضين والممرضات، أو حتى العاملين في أقسام الإدارات، يؤدي إلى تكدس وازدحام شديد في أعداد المراجعين سنويا داخل المستشفيات والمستوصفات، ومن أبرز الأمثلة على هذه الممارسات، مثلا قيام بعض الأطباء بعملية تبادل للمناوبات فيما بينهم، بحيث إنه لو وجب مناوبة 10 أطباء في يوم عمل رسمي
في أحد المستوصفات فإن الرقم الحقيقي للعاملين في هذه المناوبة لا يتجاوز 4 أو 55 أطباء، أما الباقي فيحصلون على إجازة غير رسمية ليقوموا بتغطية مناوبة زملائهم في اليوم التالي، أي ان أعداد المناوبين من الأطباء لا تتجاوز %50 من النسبة المطلوبة للعمل (الأمر لا يشمل الأطباء فقط إنما أيضا مختلف العاملين في القطاع الصحي)، وبالتالي فإن الضغط الكبير الذي يشهده هذا القطاع خلال شهر رمضان يعود أساساً إلى تراجع الأداء الوظيفي فيها.
القطاع الخاص
ومن خلال اللقاءات العديدة التي أجرتها القبس مع جهات من القطاع الخاص، اتضح أن اقل الجهات تأثرا بدخول شهر رمضان المبارك على أعمالها هي القطاعات المصرفية والبنكية، لكونها تعمل في دائرة متكاملة من المهام لا يمكن تأجيل او التغاضي عن انجاز بعض مهامها، وأيضا ارتباط اعمالها بالأسواق العالمية، وأن تقليل ساعات العمل خلال الشهر الفضيل يعود عليها بالايجاب بدلا من السلب نتيجة تكثيف العمل وتقليل ساعات الراحة.
أما بالنسبة الى أكثر جهات القطاع الخاص التي تتأثر اعمالها سلبا خلال شهر رمضان فهي قطاعات البناء والمشاريع، والأمر يعود الى عدة أسباب ابرزها الصيام والحرارة الشديدة خلال فصل الصيف التي تمنع الموظفين الميدانيين (المهندسين والعمالة اليدوية وغيرهم) من القدرة على إنجاز اعمالهم إضافة الى تقليص ساعات العمل الى 4 ساعات يوميا كحد أقصى، وبالتالي يؤثر ذلك على عدد الساعات التي يستطيع فيها العميل التواصل مع الموظف، مما يؤدي أيضا الى تراجع نسبة العملاء الجدد خلال هذا الشهر.
ويشهد قطاع البناء والمشاريع خلال شهر رمضان ارتفاعاً كبيراً في عدد الاجازات السنوية والمرضية والبطء في عملية الانجاز الوظيفي بشكل يصل الى حد «الموت شبه الكلي» للقطاع طوال الشهر، حيث تتوقف الاعمال تماما عن الانجاز الى حين انتهاء شهر رمضان واجازة العيد ليعاود القطاع بعدها مرحلة الانتعاش.
وحول هذا الأمر يؤكد المدير الاقليمي للمواد البشرية والشؤون الادارية في شركة الشايع للمشاريع أحمد عبدالعزيز أن «قطاع المشاريع بشكل عام يستهدف نوعين من العملاء، أولا: المواطنون، وثانيا: الشركات، والنوع الاول عادة يعتبرون شهر رمضان المبارك هو افضل فرصة بالنسبة لهم نظرا لانتشار الخصومات والعروض على العديد من المنتجات التي تلقى رواجاً تجارياً طوال العام، ولكن حقيقة المشكلة تكمن عادة في نظام ساعات العمل خلال فترة الصيام، فجميع المتعاملين في هذا القطاع من مديرين الى اصغر الموظفين يضطرون إلى تأجيل تنفيذ العديد من المشاريع لعدة أسباب منها قلة ساعات العمل، ونتيجة لذلك تتجه العديد من الشركات الى تقسيم ساعات العمل الى فترتين وتكون الفترة الثانية الى ساعات متأخرة جدا من الليل، يضاف الى ذلك أن قطاع المشاريع عموما ليس قطاعا يحصل فيه العميل على منتجه بمجرد الدفع، فمثلا في قطاع تركيب المطابخ نحتاج الى العمالة التي تقوم بعملية التركيب، وعادة ما تكون هنالك عقود مع شركات المقاولات التي توفر العمالة اليدوية، وهذه الشركات يتوقف عملها بشكل اساسي خلال فترة النهار في الصيف اضافة الى فترة الصيام، وبالتالي فإن قطاع المشاريع سواء للأفراد او الشركات يتوقف بشكل كبير جدا خلال فترة الصيام فهو يعتمد أساسا على ساعات دوام الموظفين».
ويضيف: «بالنسبة لقطاع المشاريع الذي يشكل النسبة الأكبر من العمل، فهذا القطاع يكاد يكون متوقفا خلال شهر رمضان من حيث عمل أي تعاقدات جديدة، فعمل قطاع المشاريع يكون عادة مع شركات المقاولات او المكاتب الاستشارية او المالكين بشكل مباشر، وجرى العرف المعتاد أن يكون شهر رمضان المبارك هو شهر الاجازات، وأي قرارات سيتم اتخاذها تؤجل الى بعد شهر رمضان لأسباب عديدة ابرزها انه خلال شهر رمضان ينتهي الدوام بالنسبة لموظفي شركات المقاولات قبل الساعة 12 ظهراً، وبالتالي إنجاز العمل يكون ضعيفاً إلى اقصى حدوده، والسبب الآخر هو أن الموظفين في هذا القطاع يأخذون اجازاتهم السنوية خلال شهر رمضان باعتبار ان رمضان والصيف بالنسبة لهم العمل فيه شاق جدا».