أم المعارك الانتخابية في عرين «حزب الله» البقاعي
اكتملت لوائح المرشحين للانتخابات النيابية المنتظرة في لبنان في 6 مايو المقبل وباتت صورة التحالفات واضحة إلى حد بعيد. وهي بمجملها تحالفات انتخابية موضعية نسجت بالقطعة وحسب توازنات القوى في كل دائرة، وجاءت مفاجئة في العديد من الدوائر الانتخابية باستثناء تحالف الثنائي الشيعي الواضح والمعلن قبل أشهر.
وبينما كانت كل التوقعات تشير إلى أن تحالفًا انتخابيًا سيجمع بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر كنتيجة طبيعية للتسوية السياسية التي جمعتهما قبل أكثر من عام، الا ان ما حدث كان مفاجئًا اذ تحالف التيار مع الجماعة الإسلامية في اكثر من دائرة منها دائرة صيدا-جزين. وهذا ما دفع بزعيم تيار المردة النائب سليمان فرنجية الى القول بأن التيار تحالف «مع أقصى اليمين وأقصى اليسار وبقي الخلاف مع الأحزاب المسيحية الموجودة على الساحة». الأمر نفسه يسري على حزبي «القوات اللبنانية» و«الكتائب» اللذين تحالفا في الربع الساعة الأخير في دوائر الأشرفية وزحلة والشمال الثالثة.
ولأن التحالفات بين القوى السياسية جاءت مناقضة للتوقعات، فإن شركات الاستطلاع التي أجرت استطلاعاتها قبيل اعلان اللوائح لم تتطابق حسابات حقلها مع حسابات بيدر التحالفات، فانطلقت في إجراء دراسات جديدة وفقًا للمعطيات الجديدة.
بين عريني «المقاومة»
قد تكون دائرة بعلبك- الهرمل التي يُجمع عدد من المحللين أنها الدائرة الوحيدة التي تخاض فيها معركة سياسية الطابع، هي أكثر الدوائر جذباً للاهتمام. فهذه المنطقة معروفة بأنها «عرين حزب الله» وهي معقودة اللواء سياسياً لحزب الله الذي يمثلها في السلطة منذ 25 سنة، لكن أهلها يعانون الفقر والحرمان على الصعيدين الخدماتي والمعيشي. وهذا على خلاف العرين الآخر للثنائي الشيعي، أي جنوب لبنان، بينما تدور أحاديث في منطقة البقاع عن أموال يكدسها مسؤولو حزب الله جراء صفقات تجارية ومساهمات في معامل وكسارات.
الى التململ المعيشي، أحدثت الأزمة السورية تصدعاً في العلاقة بين بعض العشائر وحزب الله في بعلبك – الهرمل. ورغم عدم توافر إحصاء دقيق لقتلى حزب الله في سوريا، فإنه من شبه المؤكد ان أكثرية قتلى هذا الحزب هناك هم من قرى قضاء بعلبك – الهرمل، وليس من قرى الجنوب.
لذا تقلق الانتخابات في دائرة بعلبك- الهرمل «حزب الله» بخلاف دوائر منطقة الجنوب التي يبدو مطمئناً اليها بسبب غياب أي منافس حقيقي له هناك. ويولي أمين عام «حزب الله» حسن نصرالله، هذه الدائرة اهتماماً خاصاً عبّر عنه أكثر من مرة، سواء في خطبه أم في لقاءاته مع الماكينات الانتخابية. فهو يعلن أنه مستعد للذهاب إلى مدن وقرى بعلبك – الهرمل اذا وجد وهناً في الاقبال على الانتخابات. ويتهم نصرالله «الولايات المتحدة والسعودية وبعض القوى المحلية بإدارة المعركة في هذا القضاء، لأن عيونها على حزب الله في هذه الانتخابات».
التحالف الضروري
بمساع وجهد كبيرين توصل تيار المستقبل و«القوات اللبنانية» إلى التحالف لخوض المعركة في وجه لائحة الثنائي الشيعي في تلك الدائرة. ورغم وجود 5 لوائح تم تشكيلها وتتنافس على المقاعد العشرة في هذه الدائرة الا ان المعركة الفعلية منحصرة بين لائحتين: «الامل والوفاء» أي لائحة تحالف حزب الله وحركة أمل والحزب القومي من جهة، ولائحة «الانماء والكرامة» التي تجمع «القوات» و«المستقبل» وبعض الشخصيات الشيعية ويرأسها النائب السابق يحيى شمص. وتضم الى جانب شمص المرشحين الشيعة خضر طليس، رفعت المصري، غالب ياغي، محمد حمية، محمد الحاج سليمان. وعن المقعدين السنيين مرشحي «المستقبل» بكر الحجيري، حسين صلح. وعن المقعد الماروني مرشح «القوات اللبنانية» أنطوان حبشي. وعن المقعد الكاثوليكي العميد سليم كلاس.
لم تحظ دائرة بعلبك- الهرمل في الدورات الانتخابية السابقة بأي اهتمام فعلي أياً كان قانون الانتخاب الذي خيضت على اساسه. حتى ان كثر من اهل المنطقة من القاطنين في بيروت كانوا يأنفون عن الاقتراع لادراكهم بنتائج الانتخابات سلفاً. لكن القانون النسبي الذي يتيح لأي قوة سياسية حزبية أو مستقلة تجمع الحاصل الانتخابي أن تتمثل برلمانيا، خلط الأوراق وجعل دائرة بعلبك- الهرمل محط انظار اللبنانيين ربما لفرادتها في جمع ألد الخصوم في مواجهة واحدة. رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي يطمح الى إيصال مرشحه إلى الندوة البرلمانية، وتسجيل أكثر من خرق بوجه لائحة حزب الله، ذهب إلى حد وصف المعركة الانتخابية بالانقلاب التاريخي: «فنحن على مدى 50 عاماً لم تسمح لنا الظروف باختيار ممثلين فعليين عنا في المنطقة».
لكل سبيله
يسخر النائب السابق يحيى شمص، من مقولة إن بعض عشائر البقاع «باتت ضد المقاومة»ويكشف في حديث خاص لـ القبس بأن عشائر بعلبك الهرمل لها عاداتها وتقاليدها، وهي معروفة تاريخياً بمقاومتها للظلم والاضطهاد. «كما قاومت العثمانيين في الماضي، فهي تقاوم حاليا العدو الاسرائيلي والتكفيريين الذين حاولوا تخريب مناطقنا». لكن التضحيات الكبيرة التي قدمتها لم تتواكب بإنماء ومقومات اجتماعية للصمود «نحن مع المقاومة في وجه العدو، لكن منطقتنا محرومة ومهملة. وترشحنا هو أولا لأهداف إنمائية وهذا حق لنا أسوة بغيرنا أيا كان توجهنا واعتقادنا».
هل يعتبر شمص نفسه مشمولاً بتوصيف أمين عام حزب الله حسن نصرالله بأن كل من يصوت ضد لائحة الثنائي الشيعي موال للنصرة وداعش؟ «لا اعتقد أنه أجاد التوصيف»، يقول شمص ويضيف: «هو قال انه يشمل بعض الاشخاص. وأقول إننا في تحالف انتخابي مع أبناء منطقتين وهم احرار في انتماءاتهم وأحزابهم وما يجمعنا هو مصالح منطقتنا وهمومها. اعتقد ان لائحتنا هي نموذج للوحدة الوطنية. نحن كلبنانيين مسلمين ومسيحيين لا نوافق على هذا الكلام».
ونسأل شمص: هل يعني التحالف الانتخابي ان كل فريق ذهب في حال سبيله بعد الانتخابات؟ «لكل حريته بعد الانتخابات»، يقول. أما التعبئة التي يقوم بها حزب الله وتحشيده لهذه الدائرة من دون سواها فيضعها شمص في السياق الانتخابي الطبيعي لكنه يرفض التعبئة المذهبية تاركاً القرار الأخير لديموقراطية الصناديق التي ستقرر في نهاية المطاف من سيمثل أهل المنطقة. كما يرفض شمص المشغول بزحمة الاتصالات والاستقبالات الإفصاح عن توقعاته لنتائج المعركة القاسية التي يخوضها، مكتفيا بالقول: «ابن بعلبك الهرمل هو الذي سيقرر».
القبس استطلعت رأي خبير انتخابي (فضل عدم الكشف عن اسمه التزاما بقرار هيئة الاشراف على الانتخابات) عن نتائج الاستطلاع الذي اجراه في دائرة بعلبك- الهرمل، فقال انه يتوقع احراز لائحة «الانماء والكرامة» مقعدين هما المقعد الماروني والمقعد السني. هو توقع ام اكثر؟ «شبه مؤكد» يقول. لكن الصعوبة تكمن في حجز مقعد شيعي، «صعب ولكنه ليس مستحيلاً».