
موقف الرئيس الاميركي دونالد ترامب حيال اكراد سوريا، و«نأيه بالنفس» عن أي عملية تركية ضدهم في منطقة شرق الفرات، وضع العالم في حالة ذهول وترقب لما سيجري من تغيرات وتداعيات، قد تصب في مصلحة النظام السوري وحلفائه الروس والايرانيين، بينما برز موقف لافت من اقليم كردستان العراق رافض لأي عمل عسكري في ما اسماه غرب كردستان (روج آفا).
اما اكراد سوريا، فوجدوا انفسهم امام خيارات قليلة مطروحة في المرحلة المقبلة لـ«إبعاد الأتراك» وسط صعوبة كبيرة في التصدي بمفردهم لأي هجوم.
قال القيادي الكردي البارز والناطق باسم حزب الاتحاد الديموقراطي صالح مسلم لـ القبس «خيارنا الوحيد هو مقاومة اي هجوم تركي حتى اخر رمق». واشار مسلم الى وجود «حوارات مع كل الاطراف التي تقبل الحوار معنا. وهدفنا هو تجنب المكونات من المجازر من قبل الأتراك.. ونريد من الجميع الوقوف إلى جانبنا».
ومن بين الخيارات الكردية، خيار مرّ هو التعاون مع نظام الرئيس بشار الاسد لمواجهة تركيا، وفي ما يتعلق بامكانية تحقق هذا الخيار، قال مسلم «النظام السوري لا يزال يرفض الحوار معنا وبدأ أخيرا باتهامنا بالارهاب».
الشراكة مع الأسد
وتوعدت قوات سوريا الديموقراطية بمواجهة اي هجوم تركي بالشراكة مع نظام الاسد، وقال القائد العام لـ«قسد» مظلوم عبدي، في حديث مع قناة «إن بي سي نيوز» إنه يدرس الآن الشراكة مع الأسد لمحاربة الاتراك، وأضاف «هذا أحد الخيارات على الطاولة».
وبشأن معتقلي داعش، الذين يفوق عددهم 11 ألف شخص، أشار عبدي الى أنها بالنسبة لهم أولوية ثانية، وأن ما يشغل بالهم الآن هو الاستعداد للمعركة مع الجيش التركي.
كلام عبدي اكده مسؤول آخر في «قسد» هو بدران جيا كرد قائلا ان الادارة الذاتية الكردية ستضطر حتما لبحث كل الخيارات المتاحة، وربما تبدأ محادثات مع دمشق وموسكو لملء أي فراغ أمني إذا ما انسحبت القوات الأميركية بالكامل من منطقة الحدود مع تركيا.
وكانت دمشق دعت أمس الأكراد إلى «العودة إلى الوطن»، وقال نائب وزير الخارجية فيصل المقداد، متوجهاً للأكراد «ننصح من ضلّ الطريق أن يعود، لأن الوطن هو مصيره النهائي». وأضاف «نقول لهؤلاء إنهم خسروا كل شيء ويجب ألا يخسروا أنفسهم، في النهاية الوطن يرحب بكل أبنائه»، زاعما ان «كل من لا يخلص للوطن ويبيعه سيرمى به خارج التاريخ». وعن تهديدات أنقرة، قال المقداد «سندافع عن كل الأراضي السورية ولن نقبل بأي احتلال».
موقف أربيل
وفي اربيل، برزت مواقف عديدة ومساع لمنع اي عمل عسكري، وعبّر الرئيس السابق للاقليم مسعود بارزاني عن قلقه حيال الأوضاع في ما اسماه «كردستان سوريا»، وقال في تغريدة على تويتر «قلقون جداً من التطورات في كردستان الغربية.. نتواصل مع قنوات عديدة وسنبذل قصارى جهدنا لضمان عدم تعرض سكان روج آفا لأي كوارث».
يأتي ذلك، بعد يوم من اجتماع الرئيس نيجرفان بارزاني مع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في أربيل حيث كان الوضع أحد محاور الاجتماع، وعبر نيجرفان عن قلقه بشأن مستقبل الشعب الكردي في سوريا، ودعا إلى أن تلعب روسيا دورا سلميا لمنع حدوث ازمة.
إيران وروسيا
بدورها، قالت وزارة الخارجية الإيرانية في بيان، إن طهران تعارض أي عملية عسكرية تركية في سوريا. مشيرة إلى انها تتابع «الأنباء الباعثة على القلق بخصوص احتمال دخول قوات عسكرية تركية الأراضي السورية، وتعتقد أن حدوث ذلك لن ينهي المخاوف الأمنية التركية، كما سيؤدي إلى ضرر مادي وبشري واسع النطاق».
اما الكرملين، فقال إن الولايات المتحدة وتركيا لم تبلغا روسيا مسبقا بخطط أميركية لسحب قوات من المنطقة الحدودية قبل عملية تركية مزمعة. بيد أنه قال إنه لم يتضح بعد عدد الجنود الأميركيين الذين سينسحبون بالفعل.
رسم خريطة الحرب
وامس، أعلنت وزارة الدفاع التركية «استكمال» الاستعدادات لشن العملية، ويبدو أن توغلا وشيكا سيعيد ترسيم خريطة الصراع السوري مرة أخرى. فلتركيا هدفان رئيسيان: إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية عن حدودها إذ تعتبرها خطرا أمنيا، وإنشاء منطقة يمكن فيها توطين مليوني لاجئ. ولم تحدد تركيا نطاق العملية المرتقبة أو تركيزها المبدئي، لكن يبدو أن خططها تنصب في الوقت الحالي حول قطاع حدودي بين مدينتي رأس العين وتل أبيض اللتين يفصلهما نحو 100 كيلومتر. ورغم أن هذا الجزء يقع تحت سيطرة القوات التي يقودها الأكراد، فإنه كان على مر التاريخ يحوي وجودا عربيا قويا، ولتركيا علاقات طيبة مع الجماعات البارزة فيه، وإذا حاول الاكراد الاحتفاظ بأراض هناك «فسيخسرون الكثير من الدماء».
التحديات أمام أنقرة
وفي وقت تحشد انقرة مزيدا من العربات المصفحة والآليات عند معبر اقجه قلعة، المواجه لبلدة تل أبيض، فإن العملية التي سيكون اسمها «نبع السلام»، لن تكون كسابقاتها، فمسرح عملياتها سيكون على جبهة بعرض 460 كلم، تمتد من الضفة الغربية لنهر الفرات، وصولا الى نقطة التقاء الحدود السورية- العراقية، وبعمق يتراوح ما بين ثلاثين إلى أربعين كلم. وهذه المساحة واسعة جداً، وتفتح باب احتمالات كثيرة حول إمكانية أن يخوض المقاتلون الأكراد مواجهة مفتوحة تجبر تركيا على مد خطوط القتال على طول الشريط الحدودي، وإخلاء مناطق تركية قريبة من الحدود.
ويتوقع خبراء عسكريون أن يكون التقدم التركي سهلا لعدة كيلومترات، لكن تأمين تلك المنطقة وتمشيطها سيستغرق وقتا أطول. كما أن «قسد» حصلت على كميات ونوعيات متقدمة من الأسلحة الأميركية، مما قد يصعب من مهمة الأتراك، وغياب الغطاء الجوي التركي عن المناطق التي تبعد أكثر من عشرة كيلو مترات عن الحدود سيصعب من المهمة، وسيدفع انقرة للاستعانة بطائرات من دون طيار، وليس بسلاح الجو، نظرا لان مناطق العمليات تقع تحت السيطرة الجوية لقوات التحالف الدولي ضد داعش. أما التحدي الأكبر، فهو احتمال اطلاق القوات الكردية المئات من مقاتلي داعش المعتقلين، ما سيجعل تركيا في مواجهة من نوع آخر، في حال تسلل هؤلاء إلى داخل أراضيها.