أبو الحسن: اتهامي بالناصرية أعادني إلى الكويت
في مستهل لقائنا مع حاجي يعقوب عباس أبو الحسن قال: ولدت في سنة 1928 في فريج الصاغة موقعه الحالي بالقرب من مسجد الحداد والبورصة والبنك التجاري الرئيسي، وأتذكر مساحة بيتنا حوالي 70 ــــ 80 متراً، ثم أضفنا جزءا من بيت في سكة ضيقة بألف روبية، وأقرب شيء لبيوتنا سوق الصاغة وسمي بذلك لوجود دكاكين لبيع الذهب، وجزء من الدكاكين بيت عيسى شعيب، ومن جيرانا حسن مشهدي أحمد وبيوت القناعات وعبدالعزيز المساعيد، وأقرب دكان إلى بيوتنا دكان عبدالرسول الأربش الصائغ المشهور وكنيس اليهود وأمين سنجر وبهبهاني.
وأضاف أبو الحسن: أتذكر حرامي فريجنا، كان يسرق حليب أبقار وأغنام الفريج وينتقل من سطح إلى سطح حتى يصل إلى حوش البقر.. و «يحلب».
وعاير فريجنا (زاوية المنزل من الخارج) ملتقى الكبار، أحاديث الشياب والصغار للعب واللهو، وأتذكر كنا نلعب في الساحة بالقرب من تلك العواير (جمع عاير)، وبالقرب من برحة فريجنا 3 محلات لعيسى شعيب، واحد لبيع الرمان، والثاني لبيع الحلوى والثالث خباز فريجنا، ويسمى هذا الحي «بالوسط» ما بين شرق وجبلة (القبلة – الغرب).
وأفتخر بانتمائي الى عائلة أبو الحسن، حيث حط أجدادنا الرحال في الكويت منذ عام 1835 ميلادية، ولد وترعرع أجدادي وآبائي (عباس أبو الحسن إبراهيم أبو الحسن) على هذه الأرض الطيبة وشاركوا أبناء الوطن قساوة الحياة والمثابرة للحصول على لقمة العيش عبر تخطي البحار والصحراء والوصول الى التعلم واكتساب الخبرة في الحرف والمهن التجارية المختلفة.
التعليم والدراسة
وتابع: درست عند الملا (المستشار) في بيته بالقرب من بيت الشيخ صباح الناصر الصباح، كنت أهرب من المدرسة كل يوم، نقلني والدي الى المدرسة الجعفرية التي افتتحت في عام 1938، وفي هذه المدرسة اختلفت مع الاستاذين سيد حسن والمعلم المعروف الخباز، عندما ضرب أخي «حيدر» بـ «العصاية» (المسطرة) على خشمه (أنفه)، فقمت بوضع عقال أحدهم في رقبته، واستدعي والدي إلى لمدرسة وقال مدير المدرسة له: «يا حنا في المدرسة يا ابنك حاجي»، ومع بعض الاعتذارات كنت أقولها لوالدي علشان أترك المدرسة بأن عيني تؤلمني، ومرة خشمي وهكذا تركت المدرسة وكان عمري 15 سنة تقريباً.
علم وخبر وسفر
قال أبو الحسن: أول عمل قمت به مع أخي «جاسم» في تجارة السجائر والمكسرات والتين المجفف، كان يتعامل مع تجار «ديلم» في إيران بواسطة الأبوام (جمع بوم أو سفينة شراعية)، والأبوام على نوعين، بوم سفر للأسفار البعيدة، وبوم قطاع يستخدم للأسفار القريبة في موانئ الخليج العربي.
وأضاف قمت باستخراج جواز سفر كان يسمى «علم وخبر»، وهو عبارة عن وثيقة كان يحملها المسافرون من الكويت إلى الدول المجاورة تفيد بأن حامل وثيقة علم وخبر من رعايانا متوجه إلى البلد الفلاني، وذلك لتسهيل أمر حامل الوثيقة، وعلم وخبر تكون بتوقيع حاكم البلاد، ومن ثم تعتمد من قبل المعتمد السياسي البريطاني في الكويت بأنه لا مانع من سفره بعد أن ندفع روبية واحدة (العملة المتداولة آنذاك في الكويت)، وبعد أن حصلت على وثيقة «علم وخبر» بدأت أتنقل خارج الكويت واستورد العيش والشاي (الرز والشاي) والأقمشة، خصوصاً قماش نوع «مريكن» من القطن الأبيض يتخذ لخياطة الأكياس وأغلفة المخدات (الوسائد)، والفرش، وكان قماش المريكن يلبس كذلك، وكنت أحياناً أبيع البضاعة على التجار في البلد الذي أزوره، وأحياناً أنقلها إلى الكويت، واستوردت كذلك سجائر ماركة «بو ولد»، و«بو بنت»، «الجمل» و«بوقوانه» أو غوانة بمعنى أسطوانة لفظة تركية، وكان سعر الكرز (العلبة التي تحتوي على 10 علب صغيرة من السجائر) 5 روبيات، واتنقل في الأسفار بين البصرة في العراق وعبدان في إيران، وأحياناً كنا ننقل البضاعة بطرق خاصة مخفية حتى لا تزيد التكاليف علينا، وكنا نكرم العمال والعاملين لتسهيل عمليات التجارة والتنقل بها من مكان إلى آخر عبر البحر وشط العرب.
وقال: بعد وثيقة علم وخبر، تسلمت الجواز الأخضر القديم وبدأت تنقلاتنا تكون أسهل، تطورت التجارة إلى تجارة العملات، وفتحنا محلاً في السوق الداخلي للصرافة، وكان إيجار المحل روبية واحدة في الشهر بمساعدة الأخوين جواد وحيدر يعقوب أبو الحسن حتى عام 1948 ميلادية، وكان أخواني جواد وحيدر يقومان بإدارة المحل بالكامل وأتذكر اسم محاسبنا «عبدالله البالول» صاحب مدرسة في سوق الصاغة، وجزاه الله ألف خير، حيث قام ببناء مسجد في النقرة وتوسعت تجارتي وفتحت محلاً في سوق البنات لبيع الأقمشة، كما استثمرت بعضاً من مالي في نقل الركاب بين الكويت والبصرة، كما تساعدت مع أخي الكبير يوسف في بعض الأعمال التجارية البسيطة في ذلك الوقت، حيث كان خبيراً في الروافة (حياكة السجاد) وفي الصرافة وبيع الأقمشة (محال أجواخ أبو الحسن ما زالت تعمل حتى تاريخنا هذا)، كما قام بمساعدة العوائل الكويتية وتوصيلهم بالسيارة لأداء مناسك الحج لعدد كبير من السنوات.
أعمال وتجارة
كنا قديماً نشتهر كأفراد عائلة أبو الحسن بصنع الحلوى والزلابية، خصوصاً عمي موسى أبو الحسن (وكان معروفاً في فريجنا قديماً بلقب موسى راعي الحلوى)، لتخصصه في بيع الحلوى (الزلابية) بعد تصنيعها في المنزل لكسب الرزق الحلال وتغطية تكاليف الحياة.
ونقلت تجارتي بعد ذلك إلى بغداد، حيث كان لي العديد من الأصدقاء هناك، واستأجرت محلا لصرف العملات والتحويلات وبيع الذهب في سوق خان دلة الكبير منطقة الشورجة بالقرب من البنك المركزي العراقي الحالي، كانت الصرافة مربحة في العراق بسبب ارتباطها التجاري مع العالم، خاصة الدول المجاورة بما فيها الكويت، حيث كنت أحمل الذهب في حزام على بطني وأنتقل لبيع قطع الذهب لمحال للصرافيين وتجار الذهب في بغداد، وأضع النقود أمانة عند أحد التجار الكويتيين في البصرة، وكان سعر كيلو الذهب حوالي (350 دينارا عراقيا)، وكان سائق السيارة الأجرة ينقلني من مكان إلى آخر بين بغداد والبصرة لنقل العملات وقطع الذهب. ولله الحمد لم نكن نخاف إلا من الله تعالى، والخوف منه من منازل الدين ومقام من مقامات الموقنين، كنا نتسلم ونسلم البضاعة والمواد دون خوف كما في الخبر القدسي «من خاف الله أخاف الله منه كل شيء»، كنا نتعامل مع العراقيين التجار بالاطمئنان والأمن والعقل الذي هو بمنزلة تاجر في طريق الآخرة ورأسماله العمر، وبفضل الله سبحانه وتعالى تطورت تجارتي إلى بيع وشراء العقارات التجارية في بغداد والنجف وكربلاء، وامتلكت منزلا خاصا لي، وفي عام 1958 وهي سنة الانقلاب على الملكية في العراق، حيث قام عبدالكريم قاسم بقلب نظام الحكم من الملكي إلى الجمهوري، ومطالبته بالكويت، حيث تسبب في عدم الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي، خصوصا مع العوائل الكويتية التي كانت في العراق ومدينة البصرة والمناطق القريبة من الكويت، بالإضافة إلى تأثر الحركة التجارية في بغداد خلال تلك الفترة.
العودة إلى بلدي
قررت العودة إلى بلدي الكويت الغالية بعد أن أمضيت ما يزيد على عشر سنوات في العراق في أعمال التجارة، بعد أن قاموا بإلقاء الحجارة علينا ويقولون لنا أنتم من الناصريين (جماعة جمال عبدالناصر في مصر)، وتركت العقارات والصرافة والذهب ورجعت إلى الكويت مع زوجتي (ابنة عمي موسى أبو الحسن) وأبنائي الأربعة (ولدان وبنتان).
أضاف: ولكن العودة كانت حميدة وميسرة وقمت بفتح محل للصرافة في سوق الجت، ثم انتقلت إلى سوق الصرافين في عمارة جوهرة الخليج في شارع فهد السالم بالقرب من ساحة الصفاة، وذكر أبو فاضل العم حاجي أبو الحسن بأن القدر لم يمهل زوجتي ابنة عمي موسى أبو الحسن وأم أولادي فتوفيت في عام 1961، بعد أن بنت الأسرة على التفاهم والعفو والتسامح، وحققت رحمها الله السعادة الأخروية، وكل ما أقوله إن الحسد الذي أزال ويزول نعم الله تعالى، والحاسد يريد لنفسه هذه النعم، ويريد المكروه إلى المحسود، والحسد أشد الأمراض وأسوأ من الرذائل وأخبثها، وللأسف يتألم الحاسد بكل نعمة يراها لغيره، ويؤدي الحسد إلى القضاء على كل شيء، وهذه زوجتي رحمها الله توفيت من الحاسد الساخط لنعم الله تعالى وخبيث النفس، ونحن نؤمن بما قدر الله تعالى علينا، وهو صاحب كل جمال وكمال وبهاء وجلال، وكل ذلك كان حاضرا له بالفعل أزلا وأبدا.
وبعد فترة من الزمن القليل اقترنت بزوجتي الثانية كذلك ابنة عمي موسى أبو الحسن، وهي بحمد الله استمرت في تربية الأبناء والبنات الأربعة مع بقية أفراد الأسرة بكل سعادة وحنان، الله يحفظهم جميعاً، وحالياً جميع الأبناء والبنات يخدمون الوطن، بلدنا الغالي الكويت بكل تفان وإخلاص، ويعملون بالوظائف الحكومية والقطاع الخاص كل بحسب تخصصاته الفنية والعلمية والتجارية، بعد حصولهم على الدرجات العلمية والثقافية الكبيرة، وهذا هو الإرث الحقيقي للإنسان الذي يترك خلفه إرثاً من الذرية الصالحة المؤمنة بالله تعالى وبحب الوطن.
حفر السيل
وتحدث أبو فاضل عن الحفر الموجودة في أحياء الكويت القديمة والغرض من حفرها، لاتخاذ الطين لبناء البيوت والمساكن، وتجمع مياه الأمطار من ناحية أخرى في مواسم المطر، وذلك لندرة المياه العذبة في الكويت، والتي كانت تجلب من شط العرب أو حفر الآبار في بعض المناطق داخل الكويت.
والحفر كانت تحفر من قبل الأفراد أو العوائل وكانت تنسب إليهم، وهذه الحفر لها دور كبير في حياة أهالينا لتجميع السيول وأخذ الطين ولصيد الطيور ولعب الأولاد فيها، ومن أشهرها: حفرة أدغيم، إدريس، المحميد، إطبيخ، حفرة الروضان، العبدالرزاق، المسيل، الميدان، فيروز، العوازم، البوطيبان، حبيب، حسين الوزان، وحفر حبيبو وتسمى أيضاً حفر بديع وحولها بيوت جمال وكاركة جمال (الكاركة تعني مصنع حلويات) وبيوت الصايغ وشايع الجيماز وديوان الصباغ وعبدالرسول الفرج وماتقي وسيد هاشم والعبيدي والضرمان وعيدي والخضري وتفوني والفارس والمشاري في منطقة الوسط، وحفرة أمين سنجر في فريج مبارك، واعتذر للنسيان.
مهنة الصرافة
وتحدث أبو الحسن عن الصرافة مرة أخرى، حيث قال مهنة الصرافة مهنة قديمة، كان الكويتيون بحاجة ماسة إليها لكثرة الأسفار وتردد سكان البادية عليهم للبيع والشراء، فأقاموا أماكن للصرف واستبدال العملات المختلفة من أهمها: الريال السعودي، والنمساوي، والجنيه الاسترليني والدينار العراقي والتومان الإيراني والدولار الأميركي وكذلك الليرات الذهبية.
وقال: نحن أبناء يعقوب عباس أبو الحسن مارسنا مهنة الصرافة والذهب وبقية أعمامنا منذ القدم، وتوسعت تجارة إخواني جواد وحيدر يعقوب أبو الحسن في بغداد في الخمسينات من القرن الماضي، وقاما بتأسيس شركة للعملات والذهب والعقار، وتم تعييني أنا الأصغر منهم سناً لمتابعة إدارة الأعمال هناك، وبعد رجوعي إلى الكويت من بغداد أصبحت لهما عدة أفرع في الكويت وخارجها، وكانت لهما كذلك رحلات عديدة تجوب البحار في الهند وزنجبار وبيروت للقيام بتجارة الذهب والفضة والعملات المختلفة، وكانا من الممولين الرئيسيين للعملات والذهب لمحال الصرافة والذهب في الكويت.
ومن الصرافين في الكويت قديماً: عبدالله جاسم الصراف، بو مريوم، حسين الصراف وابنه طالب، والحاج عبدالحسين الصراف وابنه جاسم، والصراف عبدالله علي الصراف، مشعان المشعان، بو كحيل، إبراهيم المطوع، بوخضير، العريفان، أبناء خاجه، يوسف الفليج، البراك، الهاشم، لبوزان، منصور المزيدي، أحمد الفهد، المسلم، بهبهاني، صالح الزامل والعبدلي، أحمد الغربللي، أحمد أبل، المزيني.
أسعار العملات قديماً
ذكر أبو فاضل عن العملات وأسعارها قديما، حيث كانت إمارة الكويت تعتمد على العملة الهندية السائدة في ذلك الوقت للأعمال التجارية والبيع والشراء، وهي مقسمة إلى الروبية التي تعادل 16 آنة، والآنة تعادل 4 بيزات. وحتى جاء استقلال الكويت كدولة ذات سيادة، فقد تم إصدار الدينار الكويتي والفلس الكويتي (1 دينار يعادل 1000 فلس) رسمياً في عام 1961، كما أصبح الدينار الكويتي يعادل 13/33 روبية أي ما يعادل كل 100 روبية حوالي 7/500 دينار كويتي في عهد المغفور له أمير دولة الكويت الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح طيب الله ثراه.
نموذج لأسعار العملات قديما في عام 1962 وعام 1974 وعام 1983 حسب المشار إليها من شركة جواد وحيدر يعقوب أبو الحسن:
الجنيه المصري 520 فلسا ــ الدينار الأردني 1.300 فلس ــ مائة ريال سعودي 7.940 فلسا ــ ألف تومان إيراني 43.350 فلسا ــ مائة ليرة سورية 9.400 فلس ــ مائة ليرة لبنانية 11.870 ــ جنيه إسترليني 1.200 فلس ــ دولار أميركي 0.356 ــ ألف روبية هندية 51.750 ــ ألف روبية باكستانية 44.800 ــ ريال قطري 0.737 ــ عماني 0.840.
وأسعار الذهب في عام 1974: ذهب تولات 999 = 142، والكيلو 1217 دينارا، وذهب كيلوات 995 بــ 1211.500.
الحنين إلى الأيام الخوالي، يبقى الجامع المشترك بين الرعيل الأول ومن عاش في الكويت، في عصر ما قبل النفط أو في مرحلة الاستقلال وما بعدها، في هذا اللقاء رحلة مع الذكريات ومع الماضي، نغوص في ثناياه، فنبحث وننقب عنه، مع الذين عايشوه، تسجل لهم صفحات من عبق التاريخ، ففيه رسالة وعبرة للأجيال.